وإلى هذا التأويل ذهب جمهور المفسرين حتى قال قتادة : ليس ثم والله مكيال ولا ميزان، وفي بعض الحديث أنه لما نزلت :﴿ والله يضاعف لمن يشاء ﴾ [ البقرة : ٢٦١ ] قال النبي عليه السلام : اللهم زد أمتي فنزلت بعد ذلك :﴿ من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة ﴾ [ البقرة : ٢٤٥ ]، فقال : اللهم زد أمتي حتى أنزلت :﴿ إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ﴾ فقال : رضيت يا رب.
قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (١١)
أمر الله تعالى نبيه في هذه الآية بأن يصدع للكفار فيما أمر به من عبادة ربه.
وقوله :﴿ وأمرت ﴾ لأن معناه : وأمرت بهذا الذي ذكرت لكي أكون أول من أسلم من أهل عصري وزمني، فهذه نعمة من الله عليه وتنبيه منه.
وقوله :﴿ أخاف إن عصيت ﴾ فعل معلق بشرط وهو العصيان، وقد علم أنه عليه السلام معصوم منه، ولكنه خطاب للأمة يعمهم حكمه ويحفهم وعيده.
وقوله تعالى ﴿ قل الله أعبد ﴾ تأكيد للمعنى الأول وإعلام بامتثاله كله للأمر، وهذا كله نزل قبل القتال لأنها موادعات.
وقوله :﴿ فاعبدوا ما شئتم من دونه ﴾ صيغة أمر على جهة التهديد كنحو قوله :﴿ اعملوا ما شئتم ﴾ [ فصلت : ٤٠ ] وقوله :﴿ تمتع بكفرك ﴾ [ الزمر : ٨ ]، وهذا كثير، و﴿ الذين ﴾ في قوله :﴿ الذين خسروا أنفسهم ﴾ في موضع رفع خبر، لأن قوله :﴿ وأهليهم ﴾ قيل معناه أنهم خسروا الأهل الذي كان يكون لهم لو كانوا من أهل الجنة، فهذا كما لو قال : خسروا أنفسهم ونعيمهم، أي الذي كان يكون بهم، وقيل أراد الأنفس والأهلين الذين كانوا في الدنيا، لأنهم صاروا في عذاب النار، ليس لهم نفوس مستقرة ولا بدل من أهل الدنيا، ومن له في الجنة قد صار له إما أهله وإما غيرهم على الاختلاف فيما يؤثر في ذلك فهو على كل حال لا خسران معه بتة.