قوله تعالى :﴿ أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ العذاب أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النار ﴾ كان النبي ﷺ يحرص على إيمان قوم وقد سبقت لهم من الله الشقاوة فنزلت هذه الآية.
قال ابن عباس : يريد أبا لهب وولده ومن تخلف من عشيرة النبي ﷺ عن الإيمان.
وكرر الاستفهام في قوله :﴿ أَفَأَنتَ ﴾ تأكيداً لطول الكلام، وكذا قال سيبويه في قوله تعالى :﴿ أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتٌّمْ وَكُنتُمْ تُرَاباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُّخْرَجُونَ ﴾ [ المؤمنون : ٣٥ ] على ما تقدّم.
والمعنى :﴿ أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ العذاب ﴾ أفأنت تنقذه.
والكلام شرط وجوابه.
وجيء بالاستفهام ؛ ليدل على التوقيف والتقرير.
وقال الفراء : المعنى أفأنت تنقذ من حقت عليه كلمة العذاب.
والمعنى واحد.
وقيل : إن في الكلام حذفاً والتقدير : أفمن حق عليه كلمة العذاب ينجو منه، وما بعده مستأنف.
وقال :"أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ" وقال في موضع آخر :﴿ حَقَّتْ كَلِمَةُ العذاب ﴾ [ الزمر : ٧١ ] لأن الفعل إذا تقدم ووقع بينه وبين الموصوف به حائل جاز التذكير والتأنيث، على أن التأنيث هنا ليس بحقيقي بل الكلمة في معنى الكلام والقول ؛ أي أفمن حق عليه قول العذاب.
قوله تعالى :﴿ لكن الذين اتقوا رَبَّهُمْ ﴾ لما بيّن أن للكفار ظُلَلا من النار من فوقهم ومن تحتهم بيّن أن للمتقين غرفاً فوقها غرف ؛ لأن الجنة درجات يعلو بعضها بعضاً و"لَكِن" ليس للاستدراك ؛ لأنه لم يأت نفي كقوله : ما رأيت زيداً لكن عمراً، بل هو لترك قصة إلى قصة مخالفة للأولى كقولك : جاءني زيد لكن عمرو لم يأت.
﴿ غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ ﴾ قال ابن عباس : من زبرجد وياقوت ﴿ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار ﴾ أي هي جامعة لأسباب النزهة.
﴿ وَعْدَ الله ﴾ نصب على المصدر ؛ لأن معنى "لَهُمْ غُرَفٌ" وعدهم الله ذلك وعداً.
ويجوز الرفع بمعنى ذلك وعد الله.
﴿ لاَ يُخْلِفُ الله الميعاد ﴾ أي ما وعد الفريقين. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ١٥ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon