قال الزجاج : وهذا يعني به الكفار، فإنهم خسروا أنفسهم بالتخليد في النار، وخسروا أهليهم، لأنهم لم يدخلوا مدخل المؤمنين الذين لهم أهل في الجنة، وجملة :﴿ أَلاَ ذَلِكَ هُوَ الخسران المبين ﴾ مستأنفة لتأكيد ما قبلها، وتصديرها بحرف التنبيه للإشعار بأن هذا الخسران الذي حلّ بهم قد بلغ من العظم إلى غاية ليس فوقها غاية، وكذلك تعريف الخسران، ووصفه بكونه مبيناً، فإنه يدلّ على أنه الفرد الكامل من أفراد الخسران ؛ وأنه لا خسران يساويه، ولا عقوبة تدانيه.
ثم بيّن سبحانه هذا الخسران الذي حلّ بهم، والبلاء النازل عليهم بقوله :﴿ لَهُمْ مّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مّنَ النار ﴾ الظلل عبارة عن أطباق النار، أي : لهم من فوقهم أطباق من النار تلتهب عليهم ﴿ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ﴾ أي : أطباق من النار، وسمي ما تحتهم ظللاً ؛ لأنها تظلّ من تحتها من أهل النار، لأن طبقات النار صار في كلّ طبقة منها طائفة من طوائف الكفار، ومثل هذه الآية قوله :﴿ لَهُم مّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ ﴾ [ الأعراف : ٤١ ]، وقوله :﴿ يَوْمَ يغشاهم العذاب مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ﴾
[ العنكبوت : ٥٥ ]، والإشارة بقوله :﴿ ذلك ﴾ إلى ما تقدّم ذكره من وصف عذابهم في النار، وهو : مبتدأ، وخبره قوله :﴿ يُخَوّفُ الله بِهِ عِبَادَهُ ﴾ أي : يحذرهم بما توعد به الكفار من العذاب ؛ ليخافوه، فيتقوه، وهو : معنى ﴿ ياعباد فاتقون ﴾ أي : اتقوا هذه المعاصي الموجبة لمثل هذا العذاب على الكفار، ووجه تخصيص العباد بالمؤمنين أن الغالب في القرآن إطلاق لفظ العباد عليهم.
وقيل : هو للكفار، وأهل المعاصي.
وقيل : هو عامّ للمسلمين، والكفار.
﴿ والذين اجتنبوا الطاغوت أَن يَعْبُدُوهَا ﴾ الموصول مبتدأ، وخبره قوله :﴿ لَهُمُ البشرى ﴾ والطاغوت بناء مبالغة في المصدر كالرحموت، والعظموت، وهو : الأوثان، والشيطان.


الصفحة التالية
Icon