ولما ذكر سبحانه فيما سبق أن لأهل الشقاوة ظللاً من فوقهم النار، ومن تحتهم ظلل استدرك عنهم من كان من أهل السعادة، فقال :﴿ لكن الذين اتقوا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ ﴾، وذلك لأن الجنة درجات بعضها فوق بعض، ومعنى ﴿ مَّبْنِيَّةٌ ﴾ : أنها مبنية بناء المنازل في إحكام أساسها، وقوّة بنائها، وإن كانت منازل الدنيا ليست بشيء بالنسبة إليها ﴿ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار ﴾ أي : من تحت تلك الغرف، وفي ذلك كمال لبهجتها، وزيادة لرونقها، وانتصاب ﴿ وَعَدَ الله ﴾ على المصدرية المؤكدة لمضمون الجملة، لأن قوله :﴿ لَهُمْ غُرَفٌ ﴾ في معنى : وعدهم الله بذلك، وجملة :﴿ لاَ يُخْلِفُ الله الميعاد ﴾ مقرّرة للوعد، أي : لا يخلف الله ما وعد به الفريقين من الخير، والشرّ.
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ قُلْ إِنَّ الخاسرين الذين خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ ﴾ الآية.
قال : هم : الكفار الذين خلقهم الله للنار زالت عنهم الدنيا، وحرمت عليهم الجنة.
وأخرج ابن المنذر عنه في قوله :﴿ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ ﴾ قال : أهليهم من أهل الجنة كانوا أعدّوا لهم لو عملوا بطاعة الله، فغيبوهم.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر قال : كان سعيد بن زيد، وأبو ذرّ، وسلمان يتبعون في الجاهلية أحسن القول، والكلام لا إله إلا الله قالوا بها، فأنزل الله على نبيه :﴿ يَسْتَمِعُونَ القول فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ﴾ الآية.


الصفحة التالية
Icon