وقد دل ثناء الله على عباده المؤمنين الكمّل بأنهم أحرزوا صفة اتباع أحسن القول الذي يسمعونه، على شرف النظر والاستدلال للتفرقة بين الحق والباطل وللتفرقة بين الصواب والخطأ ولغلق المجال في وجه الشبهة ونفي تلبس السفسطة.
وهذا منه ما هو واجب على الأعيان وهو ما يكتسب به الاعتقاد الصحيح على قدر قريحة الناظر، ومنه واجب على الكفاية وهو فضيلة وكمال في الأعيان وهو النظر والاستدلال في شرائع الإسلام وإدراكُ دلائل ذلك والفقهُ في ذلك والفهم فيه والتهممُ برعاية مقاصده في شرائع العبادات والمعاملات، وآداب المعاشرة لإِقامة نظام الجامعة الإِسلامية على أصدق وجه وأكمله، وإلجامُ الخائضين في ذلك بعماية وغرور، وإلقامُ المتنطعين والملحدين.
ومما يتبع ذلك انتقاء أحسن الأدلة وأبلغغِ الأقوال الموصلة إلى هذا المقصود بدون اختلال ولا اعتلال بتهذيب العلوم ومؤلفاتها، فقد قيل : خذوا من كل علم أحسنه أخذاً من قوله تعالى هنا :﴿ الذين يستمعون القول فيتَّبعون أحسنَهُ ﴾.
وعن ابن زيد نزلت في زيد بن عَمرو بن نفيل وأبي ذر الغفاري وسلمان الفارسي اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها في جاهليتهم واتّبعوا أحسن ما بلغهم من القول.
وعن ابن عباس نزل قوله :﴿ فبشّر عِبَادِ الذينَ يستَمِعونَ القولَ ﴾ الآية في عثمان وعبد الرحمان بن عوف وطلحة والزبير وسعيد بن زيد، وسعد بن أبي وقاص جاؤوا إلى أبي بكر الصديق حين أسلم فسألوه فأخبرهم بإيمانه فآمنوا.
أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (١٩)


الصفحة التالية
Icon