ومعنى ﴿ حَقَّ ﴾ تحققت في الواقع، أي كانت كلمة العذاب المتوعَّد بها حقّاً غير كذب، فمعنى ﴿ حَقَّ ﴾ هنا تحقق، وحَقّ كلمة العذاب عليهم ضد هدي الله الآخرين، وكونُهم في النار ضد كون الآخرين لهم البشرى، وترتيبُ المتضادْين جرى على طريقة شِبه اللف والنشر المعكوس، نظير قوله تعالى :﴿ إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون { ختم اللَّه على قلوبهم ﴾ إلى قوله :﴿ ولهم عذاب عظيم ﴾ [ البقرة : ٦، ٧ ] بعد قوله :﴿ والذين يؤمنون بما أنزل إليك إلى قوله :{ أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون ﴾ [ البقرة : ٤، ٥ ]، فإن قوله :﴿ ختم اللَّه على قلوبهم ﴾ ضد لقوله :﴿ أولئك على هدى من ربهم ﴾ وقوله :﴿ ولهم عذاب عظيم ضد قوله : أولئك هم المفلحون ﴾.
و( مَن ) من قوله تعالى :﴿ أفَمن حقَّ عليهِ كلمةُ العذَابِ ﴾ روي عن ابن عباس أن المراد بها أبو لهب وولدُه ومن تخلف عن الإِيمان من عشيرة النبي ﷺ فيكون ( مَنْ ) مبتدأ حذف خبره.
والتقدير : تنقذه من النار، كما دل عليه ما بعده وتكون جملة ﴿ أفأنت تُنقِذُ من في النَّار ﴾ تذييلاً، أي أنت لا تنقذ الذين في النار.
والهمزة للاستفهام الإِنكاري، والهمزة الثانية كذلك.
وإحدَاهما تأكيد للأخرى التي قبلها للاهتمام بشأن هذا الاستفهام الإِنكاري على نحو تكرير ( أَنَّ ) في قول قس بن ساعدة:
لقد علم الحَي اليمانُون أنني
إذ قلت : أمّا بعد، أَني خطيبها
والذي درج عليه صاحب "الكشاف" وتبعه شارحوه أن ( مَن ) في قوله :﴿ أفَمَنْ حَقَّ علَيْهِ كَلِمَةُ العَذَابِ ﴾ شرطية، بناء على أن الفاء في قوله :﴿ أفأنْتَ تُنْقِذُ مَن في النَّارِ ﴾ يحسن أن تكون لمعنى غيرِ معنى التفريع المستفاد من التي قبلها وإلا كانت مؤكدة للأولى وذلك ينقص معنىً من الآية.


الصفحة التالية
Icon