والخطاب للنبيء ﷺ تهويناً عليه بعض حرصه على تكرير دعوتهم إلى الإِسلام، وحزنَه على إعراضهم وضلالهم، وإلا فلم يكن النبي ﷺ بالذي يظن أنه ينقذهم من وعيد الله، ولذلك اجتلب فعل الإِنقاذ هنا تشبيهاً لحال النبي ﷺ في حرصه على هدْيهم وبلوغ جهده في إقناعهم بتصديق دعوته، وحالِهم في انغماسهم في موجبات وعيدهم بحال من يحاول إنقاذ ساقط في النار قد أحاطت النار بجوانبه استحقاقاً قضى به من لا يُردّ مرادُه، فحالهم تشبه حال وقوعهم في النار من الآن لتحقق وقوعه، وحذف المركب الدال على الحالة المشبه بها، ورمز إلى معناه بذكر شيء من ملائمات ذلك المركب المحذوف وهو فعل ﴿ تُنْقِذُ مَن في النَّارِ ﴾ الذي هو من ملائمات وقوعهم في النار على طريقة التمثيل بالمكنية، أيْ إجراء الاستعارة المكنية في المركب، ويكون قوله :﴿ تُنْقِذُ مَن في النَّارِ ﴾ قرينة هذه المكنية وهو في ذاته استعارة تحقيقية كما في قوله تعالى :﴿ ينقضون عهد اللَّه ﴾ [ البقرة : ٢٧ ].
وهذا مما أشار إليه "الكشاف" وبينه التفتازاني فيُعدّ من مبتكرات دقائق أنظارهما، وبه يتم تقسيم الاستعارة التمثيلية إلى قسمين مصرحة ومكنية.
وذلك كان مغفولاً عنه في علم البيان وبهذا تعلم أن الإِنقاذ أطلق على الإِلحاح في الإِنذار من إطلاق اسم المُسبب على السبب، وأن مَن في النار مَن هو صائر إلى النار، فلا متمسك للمعتزلة في الاستدلال بالآية على نفي الشفاعة المحمدية لأهل الكبائر ؛ على أننا لو سلمنا أن الآية مسوقة في غرض الشفاعة فإنما نفت الشفاعة لأهل الشرك لأن مَن في النار يحتمل العهد وهم المتحدث عنهم في هذه الآية.


الصفحة التالية
Icon