أما اشتمال العسكر على جواسيس وعيون لهم: فلا تعلق له بحكمة التثبيط والإقعاد ومعلوم أن جواسيسهم وعيونهم منهم وهو سبحانه قد أخبر أنه أقعدهم لئلا يسعوا بالفساد في العسكر ولئلا يبغوهم الفتنة وهذه الفتنة إنما تندفع بإقعادهم وإقعاد جواسيسهم وعيونهم.
وأيضا فإن الجواسيس إنما تسمى (عيونا) هذا المعروف في الاستعمال لا تسمى سماعين.
وأيضا فإن هذا نظير قوله تعالى في إخوانهم اليهود: ٥ : ٤٢ ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾ أي قابلون له.
والمقصود: أن سماع خاصة الخاصة المقربين: هو سماع القرآن بالاعتبارات
الثلاثة: إدراكا وفهما وتدبرا وإجابة وكل سماع في القرآن مدح الله أصحابه وأثنى عليهم وأمر به أولياءه: فهو هذا السماع.
وهو سماع الآيات لا سماع الأبيات وسماع القرآن لا سماع مزامير الشيطان وسماع كلام رب الأرض والسماء لا سماع قصائد الشعراء وسماع المراشد لا سماع القصائد وسماع الأنبياء والمرسلين لا سماع المغنين والمطربين.
فهذا السماع حاد يحدو القلوب إلى جوار علام الغيوب وسائق يسوق الأرواح إلى ديار الأفراح ومحرك يثير ساكن العزمات إلى أعلى المقامات وأرفع الدرجات ومناد ينادي للإيمان ودليل يسير بالركب في طريق الجنان وداع يدعو القلوب بالمساء والصباح من قبل فالق الإصباح "حي على الفلاح حي على الفلاح".
فلم يعدم من اختار هذا السماع إرشادا لحجة وتبصرة لعبرة وتذكرة لمعرفة وفكرة في آية ودلالة على رشد وردا على ضلالة وإرشادا من غي وبصيرة من عمى وأمرا بمصلحة ونهيا عن مضرة ومفسدة وهداية إلى نور وإخراجا من ظلمة وزجرا عن هوى وحثا على تقى وجلاء لبصيرة وحياة لقلب وغذاء ودواء وشفاء وعصمة ونجاة وكشف شبهة وإيضاح برهان وتحقيق حق وإبطال باطل.


الصفحة التالية
Icon