والعجب أن هذا الحديث من أكبر الحجج عليهم فإن الصديق الأكبر رضي الله عنه سمى ذلك: مزمورا من مزامير الشيطان وأقره رسول الله على هذه التسمية ورخص فيه لجويريتين غير مكلفتين ولا مفسدة في إنشادهما ولا إستماعهما أفيدل هذا على إباحة ما تعملونه وتعلمونه من السماع المشتمل على ما لا يخفى؟ فيا سبحان الله ! كيف ضلت العقول والأفهام؟.
وأعجب من هذا كله: الاستدلال على إباحته بما سمعه رسول الله صلى الله
عليه وسلم من الحداء المشتمل على الحق والتوحيد ! وهل حرم أحد مطلق الشعر وقوله واستماعه فكم في هذا التعلق ببيوت العنكبوت؟.
وأعجب من هذا: الاستدلال على إباحته بإباحة أصوات الطيور اللذيذة وهل هذا إلا من جنس قياس الذين قالوا: ٢ : ٢٧٥ ﴿إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا﴾ وأين أصوات الطيور إلى نغمات الغيد الحسان والأوتار والعيدان وأصوات أشباه النساء من المردان والغناء بما يحدو الأرواح والقلوب إلى مواصلة كل محبوبة ومحبوب وأين الفتنة بهذا إلى الفتنة بصوت القمرى والبلبل والهزار ونحوها؟.
بل نقول: لو كانا سواء لكان اتخاذ هذا السماع قربة وطاعة تستنزل به المعارف والأذواق والمواجيد وتحرك به الأحوال بمنزلة التقرب إلى الله بأصوات الطيور ومعاذ الله أن يكونا سواء.
والذي يفصل النزاع في حكم هذه المسألة: ثلاث قواعد من أهم قواعد الإيمان والسلوك فمن لم يبن عليها فبناؤه على شفا جرف هار.
القاعدة الأولى:
أن الذوق والحال والوجد: هل هو حاكم أو محكوم عليه فيحكم عليه بحاكم آخر أو ويتحاكم إليه؟.
فهذا منشأ ضلال من ضل من المفسدين لطريق القوم الصحيحة حيث جعلوه حاكما فتحاكموا إليه فيما يسوغ ويمتنع وفيما هو صحيح وفاسد وجعلوه محكا للحق والباطل فنبذوا لذلك موجب العلم والنصوص وحكموا فيها الأذواق


الصفحة التالية
Icon