ولا سيما إذا كان طريقا مفضيا إلى ما يغضب الله ورسوله موصلا إليه عن قرب وهو رقية له ورائد وبريد فهذا لا يشك في تحريمه أولو البصائر فكيف يظن بالحكيم الخبير أن يحرم مثل رأس الإبرة من المسكر لأنه يسوق النفس إلى السكر الذي يسوقها إلى المحرمات ثم يبيح ما هو أعظم منه سوقا للنفوس إلى الحرام بكثير؟ فإن الغناء كما قال ابن مسعود رضي الله عنه هو: (رقية الزنا) وقد شاهد الناس: أنه ما عاناه صبي إلا وفسد ولا امرأة إلا وبغت ولا شاب إلا وإلا ولا شيخ إلا وإلا والعيان من ذلك يغني عن البرهان ولا سيما إذا جمع هيئة تحدو النفوس أعظم حدو إلى المعصية والفجور بأن يكون على الوجه الذي ينبغي لأهله من المكان والإمكان والعشراء والإخوان وآلات المعازف: من اليراع والدف والأوتار والعيدان وكان القوال شادنا شجي الصوت لطيف الشمائل من المردان أو النسوان وكان القول في العشق والوصال والصد والهجران.
ودارت كؤوس الهوى بينهم... فلست ترى فيهم صاحيا
فكل على قدر مشروبه... وكل أجاب الهوى الداعيا
فمالوا سكارى ولا سكر من... تناول أم الهوى خاليا
وجار على القوم ساقيهم... ولم يؤثروا غيره ساقيا
فمزق منهم قلوبا غدت... لباسا عليه يرى ضافيا
فلم يستفيقوا إلى أن أتى... إليهم منادي اللقا داعيا
أجيبوا فكل امرىء منكم... على حاله ربه لاقيا
هنالك تعلم من حمأة... شربت مع القوم أم صافيا
وبالله لا بد قبل اللقا... سنعلم ذا إن تك واعيا
لا بد تصحو فإما هنا... وإما هناك فكن راضيا

فصل


وإذا لم يكن بد من المحاكمة إلى الذوق فهلم نحاكمك إلى ذوق لا ننكره نحن ولا أنت غير هذه الأذواق التي ذكرناها.
فالقلب يعرض له حالتان: حالة حزن وأسف على مفقود وحالة فرح ورضى بموجود وله بمقتضى هاتين الحالتين عبوديتان.
وله بمقتضى الحالة الأولى: عبودية الرضاء وهي للسابقين والصبر وهي لأصحاب اليمين.


الصفحة التالية
Icon