وأما بلوغ مشاهدة المنة استبصارا: فهو تنبه السامع في سماعه إلى أن جميع ما وصله من خير فمن منة الله عليه وبفضله عليه من غير استحقاق منه ولا بذل عوض استوجب به ذلك كما قال تعالى: ٤٩ : ١٧ ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾.
وكذلك يشهد أن ما زوي عنه من الدنيا أو ما لحقه منها من ضرر وأذى فهو منة أيضا من الله عليه من وجوه كثيرة ويستخرجها الفكر الصحيح كما قال بعض السلف: "يا ابن آدم لا تدري أي النعمتين عليك أفضل: نعمته فيما أعطاك أو نعمته فيما زوى عنك؟" وقال عمر ابن الخطاب رضي الله عنه "لا أبالي على أي حال أصبحت أو أمسيت إن كان الغنى إن فيه للشكر وإن كان الفقر إن فيه للصبر" وقال بعض السلف: "نعمته فيما زوى عني من الدنيا أعظم من نعمته فيما بسط لي منها إني رأيته أعطاها قوما فاغتروا".

إذا عم بالسراء أعقب شكرها وإن مس بالضراء أعقبها الأجر
وما منهما إلا له فيه نعمة تضيق بها الأوهام والبر والبحر
فإن قلت: فهل يشهد منته فيما لحقه من المعصية والذنب؟.
قلت: نعم إذا اقترن بها التوبة النصوح والحسنات الماحية كانت من أعظم المنن عليه كما تقدم تقريره.

فصل


قال: "وسماع الخاصة: ثلاثة أشياء شهود المقصود في كل رمز والوقوف على الغاية في كل حين والخلاص من التلذذ بالتفرق".
والمقصود في كل رمز: هو فإن المسموع كله يعرف به وبصفاته وأسمائه وأفعاله وأحكامه ووعده ووعيده وأمره ونهيه وعدله وفضله وهذا الشهود ينال بالسماع بالله ولله وفي الله ومن الله.
أما السماع به: فأن لا يسمع وفيه بقية من نفسه فإن كانت فيه بقية قطعها كمال تعلقه بالمسموع فيكون سماعه بقيوميته مجردا من التفاته إلى نفسه.


الصفحة التالية
Icon