وأما الوقوف على الغاية في كل حين: فهو التطلب والسفر إلى الغاية المقصودة بالمسموع الذي جعل وسيلة إليها وهو الحق سبحانه فإنه غاية كل طلب ٥٣ : ٤٢ ﴿وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى﴾ وليس وراء الله مرمى ولا دونه مستقر ولا تقر العين بغيره ألبتة وكل مطلوب سواه فظل زائل وخيال مفارق مائل وإن تمتع به صاحبه فمتاع الغرور.
وأما الخلاص من التلذذ بالتفرق: فالتفرق في معاني المسموع وتنقل القلب في منازلها يوجب له لذة كما هو المألوف في الانتقال فليتخلص من لذة تفرقه التي هي حظه إلى الجمعية على المسموع به وله ومنه.
ولم يقل الشيخ (من التفرق) فإن المسموع إنما يدرك معناه ويفهم بالتفرق لتنوعه ولكن ليتخلص من لذته لا منه لئلا يكون مع حظه وهذا من لطف أحوال السامعين المخلصين.

فصل


قال: "وسماع خاصة الخاصة: سماع ينفي العلل عن الكشف ويصل الأبد إلى الأزل ويرد النهايات إلى الأول".
فالكشف: هو مكافحة القلب لحقيقة المسموع وعلله أمران.
أحدهما: الشبه التي تنتفي بهذه المكافحة فلا تبقى معها شبهة فهذا هو عين اليقين.
والثاني: نفي الوسائط بين السامع والمسموع فيغيب بمسموعه عنها ويفنى عن شهودها ويفنى عن شهود فنائه عنها بحيث يشهده هو المسمع لا الواسطة وهو الهادي فمنه الإسماع ومنه الهداية ومنه الابتداء وإليه الانتهاء.
وأما وصله الأبد إلى الأزل: فهذا إن أخذ على ظاهره: فهو محال لأن الأبد والأزل متقابلان تقابل التناقض فإيصال أحدهما إلى الآخر عين المحال وإنما مراده: أن ما يكون في الأبد موجودا مشهودا فقد كان في الأزل معلوما مقدرا فعاد حكم الأبد إلى الأزل علما وحقيقة وصار الأزلي أبديا كما كان الأبدى أزليا في العلم والحكم.


الصفحة التالية
Icon