وقال أبو حيان فى الآيات السابقة :
﴿ وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ ﴾
الظاهر أن الإنسان هنا جنس الكافر، وقيل : معين، كعتبة بن ربيعة.
ويدخل في الضر جميع المكاره في جسم أو أهل أو مال.
﴿ دعا ربه ﴾ : استجار ربه وناداه، ولم يؤمل في كشف الضر سواه، ﴿ منيباً إليه ﴾ : أي راجعاً إليه وحده في إزالة ذلك.
﴿ ثم إذا خوله ﴾ : أناله وأعطاه بعد كشف ذلك الضر عنه.
وحقيقة خوله أن يكون من قولهم : هو خائله، قال : إذا كان متعهداً حسن القيام عليه، أو من خال يخول، إذا إختال وافتخر، وتقول العرب :
إن الغني طويل الذيل مياس...
﴿ نسي ما كان يدعو ﴾ : أي ترك، والظاهر أن ما بمعنى الذي، أي نسى الضر الذي كان يدعو الله إلى كشفه.
وقيل : ما بمعنى من، أي نسي ربه الذي كان يتضرع إليه ويبتهل في كشف ضره.
وقيل : ما مصدرية، أي نسي كونه يدعو.
وقيل : تم الكلام عند قوله :﴿ نسي ﴾، أي نسي ما كان فيه من الضر.
وما نافية، نفى أن يكون دعاء هذا الكافر خالصاً لله مقصوراً من قبل الضرر، وعلى الأقوال السابقة.
﴿ من قبل ﴾ : أي من قبل تخويل النعمة، وهو زمان الضرر.
﴿ وجعل لله أنداداً ﴾ : أي أمثالاً يضاد بعضها بعضاً ويعارض.
قال قتادة : أي من الرجال يطيعونهم في المعصية.
وقال غيره : أوثاناً، وهذا من سخف عقولهم.
حين مسى الضر دعوا الله ولم يلتجئوا في كشفه إلا إليه ؛ وحين كشف ذلك وخول النعمة أشركوا به، فاللام لام العلة، وقيل : لام العاقبة.
وقرأ الجمهور :﴿ ليضل ﴾، بضم الياء : أي ما اكتفى بضلال نفسه حتى جعل غيره يضل.
وقرأ ابن كثير، وأبو عمر، وعيسى : بفتحها، ثم أتى بصيغة الأمر فقال :﴿ تمتع بكفرك قليلاً ﴾ : أي تلذذوا صنع ما شئت قليلاً، أي عمراً قليلاً، والخطاب للكافر جاعل الأنداد لله.