القائلون بحدوث القرآن احتجوا بهذه الآية من وجوه : الأول : أنه تعالى وصفه بكونه حديثاً في هذه الآيات وفي آيات أخرى منها قوله تعالى :﴿فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مّثْلِهِ﴾ [ الطور : ٣٤ ] ومنها قوله تعالى :﴿أفبهذا الحديث أَنتُمْ مُّدْهِنُونَ﴾ [ الواقعة : ٨١ ] والحديث لا بد وأن يكون حادثاً، قالوا بل الحديث أقوى في الدلالة على الحدوث من الحادث لأنه يصح أن يقال هذا حديث وليس بعتيق، وهذا عتيق وليس بحادث، فثبت أن الحديث هو الذي يكون قريب العهد بالحديث، وسمي الحديث حديثاً لأنه مؤلف من الحروف والكلمات، وتلك الحروف والكلمات تحدث حالا فحالا وساعة فساعة، فهذا تمام تقرير هذا الوجه.
أما الوجه الثاني : في بيان استدلال القوم أن قالوا : إنه تعالى وصفه بأنه نزله والمنزل يكون في محل تصرف الغير.
وما يكون كذلك فهو محدث وحادث.
وأما الوجه الثالث : في بيان استدلال القوم أن قالوا : إن قوله أحسن الحديث يقتضي أن يكون هو من جنس سائر الأحاديث كما أن قوله زيد أفضل الإخوة يقتضي أن يكون زيد مشاركاً لأولئك الأقوام في صفة الأخوة ويكون من جنسهم، فثبت أن القرآن من جنس سائر الأحاديث، ولما كان سائر الأحاديث حادثة وجب أيضاً أن يكون القرآن حادثاً.
أما الوجه الرابع : في الاستدلال أن قالوا : إنه تعالى وصفه بكونه كتاباً والكتاب مشتق من الكتبة وهي الاجتماع، وهذا يدل على أنه مجموع جامع ومحل تصرف متصرف.
وذلك يدل على كونه محدثاً والجواب : أن نقول نحمل هذا الدليل على الكلام المؤلف من الحروف والأصوات والألفاظ والعبارات، وذلك الكلام عندنا محدث مخلوق، والله أعلم.
المسألة الثانية :
كون القرآن أحسن الحديث، إما أن يكون أحسن الحديث بحسب لفظه أو بحسب معناه.


الصفحة التالية
Icon