وقال أبو حيان فى الآيات السابقة :
﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ ﴾
اشمأز، قال أبو زيد : زعر.
قال غيره : تقبض كراهة ونفوراً.
قال الشاعر :
إذا عض الثقات بها اشمأزت...
وولته عشوزية زبونا
لما كان عليه السلام يعظم عليه عدم إيمانهم ورجوعهم إلى ما أنزل الله تعالى عليه، سلاه تعالى عن ذلك، وأخبره أنه أنزل عليه الكتاب، وهو القرآن، مصحوباً بالحق، وهو دين الإسلام، للناس : أي لأجلهم، إذ فيه تكاليفهم.
﴿ فمن اهتدى ﴾ : فثواب هدايته إنما هو له، ﴿ ومن ضل ﴾ : فعقاب ضلاله إنما هو عليه، ﴿ وما أنت عليهم بوكيل ﴾ : أي فتجبرهم على الإيمان.
قال قتادة : بوكيل : بحفيظ.
وقال الزمخشري : للناس : لأجل حاجتهم إليه، ليبشروا وينذروا.
فتقوى دواعيهم إلى اختيار الطاعة على المعصية، فلا حاجة لي إلى ذلك، فأنا الغني.
فمن اختار الهدى، فقد نفع نفسه ؛ ومن اختار الضلالة، فقد ضرها، وما وكلت عليهم لتجبرهم على الهدى.
فإن التكليف مبني على الاختيار دون الإجبار.
انتهى، وهو على مذهب المعتزلة.
ولما ذكر تعالى أنه أنزل الكتاب على رسوله بالحق للناس، نبه على أنه من آياته الكبرى يدل على الوحدانية، لا يشركه في ذلك صنم وعلى غيره، فقال :﴿ الله يتوفى الأنفس حين موتها ﴾، والأنفس هي الأرواح.
وقيل : النفس غير الروح، قاله ابن عباس.
فالروح لها تدبير عالم الحياة، والنفس لها تدبيه عالم الإحساس.
وفرقت فرقة بين نفس التمييز ونفس التخييل.
والذي يدل عليه الحديث واللغة أن النفس والروح مترادفان، وأن فراق ذلك من الجسد هو الموت.
ومعنى يتوفى النفس : يميتها، والتي : أي والأنفس التي لم تمت في منامها، أي يتوفاها حين تنام، تشبيهاً للنوام بالأموات.
ومنه :﴿ وهو الذي يتوفاكم بالليل ﴾ فبين الميت والنائم قدر مشترك، وهو كونهما لا يميزان ولا يتصرفان.