ولما كان من المفتونين من ينتبه وهم الأقل، قال جامعاً تنبيهاً على إرادة الجنس وأن تعبيره أولاً بإفراد الضمير إشارة إلى أن أكثر الناس كأنهم في ذلك الخلق النحس نفس واحدة :﴿ولكن أكثرهم﴾ أي أكثر هؤلاء القائلين لهذا الكلام ﴿لا يعلمون﴾ أي لا يتجدد لهم علم أصلاً لأنهم طبعوا على الجلافة والجهل والغباوة، فلو أنهم إذا دعونا وهم في جهنم أجبناهم وأنعمنا عليهم نعمتنا ونسبوها إلى غيرنا كما كانوا يفعلون في الدنيا سواء.
ولما كان كفار قريش مقصودين بهذا قصداً عظيماً وإن كان شاملاً بإطلاقه غيرهم من الأولين والآخرين قال موضحاً لذلك :﴿قد قالها﴾ أي مقالتهم ﴿إنما أوتيته على علم﴾ ﴿الذين من قبلهم﴾ أي ممن هو أشد منهم قوة وأكثر جمعاً كما قال قارون ومن رضي حاله فتمنى ماله ﴿فما أغنى عنهم﴾ أي أولئك الماضين ﴿ما كانوا﴾ بما اقتضته جبلاتهم ﴿يكسبون﴾ أي يجددون على الاستمرار كسبه من المال والجاه وإن كان مليء السهل والجبل :﴿فأصابهم﴾ أي إصابة شديدة بما دل عليه تذكير الفعل - أي تسبب عن عدم الإغناء أنه أصابهم ﴿سيئات ما كسبوا﴾ أي وبال ذلك وما يسوء من آثاره ﴿والذين ظلموا﴾ أي أوقعوا الأشياء في غير محالها ﴿من هؤلاء﴾ أي قومك الذين لا يتدبرون القرآن فإنهم لو تدبروا آياته عرفوا ولكن سبق عليهم العمى ﴿سيصيبهم﴾ أي إصابة شديدة جداً بوعد لا خلف فيه كما أصاب من قبلهم ﴿سيئات ما كسبوا﴾ أي عملوا من الأشر والبطر فيه أعمال من يظن أنه لا تناله مصيبة في الدنيا وأنه لا يبعث إلى ما أعددنا له من الأهوال في الآخرة، ولقد أصابهم ذلك، فأول ما أصابهم ما كشف عنه الزمان من وقعة بدر ثم ما تبعه إلى ما لا آخر له.


الصفحة التالية
Icon