ولما كان من المعلوم أنهم يسكتون عند هذا السؤال لما يعلمون من لزوم التناقض أن أجابوا بالباطل، ومن بطلان دينهم أن أجابوا بالحق، وكان الجواب قطعاً عن هذا : لا سوء نطقوا أو اسكتوا، تحرر أنه لا متصرف بوجه إلا الله، فكانت النتيجة قوله :﴿قل﴾ إذا ألقمتهم الحجر :﴿حسبي﴾ أي كافي ﴿الله﴾ الذي أفردته بالعبادة لأنه له الأمر كله مما يخوفونني به ومن غيره ﴿عليه﴾ وحده لأن له الكمال كله ﴿يتوكل المتوكلون﴾ أي الذين يريدون أن يعلو أمرهم كل أمر، وأمره بالقول إعلاماً بأن حالهم عند هذا السؤال التناقض الظاهر جداً.
ولما كانوا مع هذه الحجج القاطعة، والأدلة القامعة والبراهين الساطعة، التي لا دافع لها بوجه، كالبهائم لا يبصرون إلا الجزئيات حال وقوعها، قال مهدداً مع الاستعطاف :﴿قل يا قوم﴾ أي يا أقاربي الذين أرتجيهم عند الملمات وفيهم كفاية في القيام بما يحاولونه ﴿اعملوا﴾ أي افعلوا افعالاً مبنية على العلم ﴿على مكانتكم﴾ أي حالتكم التي ترتبتم فيها وجمدتم عليها لأنه جبلة لكم من الكون والمكنة لتبصروا حقائق الأمور، فتنتقلوا عن أحوالكم السافلة إلى المنازل العالية، فكأنه يشير إلى أنهم كالحيوانات العجم، لا اختيار لهم ويعرّض بالعمل الذي مبناه العلم والمكانة التي محطها الجمود بأن أفعالهم ليس فيها ما ينبني على العلم، وإنما هي جزاف لا اعتبار لها ولا وزن لها.


الصفحة التالية
Icon