فصل


قال الفخر :
الحكم الرابع : أنه جرت العادة أن المبطلين يخوفون المحقين بالتخويفات الكثيرة، فحسم الله مادة هذه الشبهة بقوله تعالى :﴿أَلَيْسَ الله بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾ وذكره بلفظ الاستفهام والمراد تقرير ذلك في النفوس والأمر كذلك، لأنه ثبت أنه عالم بجميع المعلومات قادر على كل الممكنات غني عن كل الحاجات فهو تعالى عالم حاجات العباد وقادر على دفعها وإبدالها بالخيرات والراحات، وهو ليس بخيلاً ولا محتاجاً حتى يمنعه بخله وحاجته عن إعطاء ذلك المراد، وإذا ثبت هذا كان الظاهر أنه سبحانه يدفع الآفات ويزيل البليات ويوصل إليه كل المرادات، فلهذا قال :﴿أَلَيْسَ الله بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾ ولما ذكر الله المقدمة رتب عليها النتيجة المطلوبة فقال :﴿وَيُخَوّفُونَكَ بالذين مِن دُونِهِ﴾ يعني لما ثبت أن الله كاف عبده كان التخويف بغير الله عبثاً وباطلاً، قرأ أكثر القراء عبده بلفظ الواحد وهو اختيار أبي عبيدة لأنه قال له :﴿وَيُخَوّفُونَكَ﴾ روي أن قريشاً قالت للنبي ﷺ : إنا نخاف أن تخبلك آلهتنا، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وقرأ جماعة :﴿عِبَادِهِ﴾ بلفظ الجميع قيل المراد بالعباد الأنبياء فإن نوحاً كفاه الغرق، وإبراهيم النار، ويونس بالإنجاء مما وقع له، فهو تعالى كافيك يا محمد كما كفى هؤلاء الرسل قبلك، وقيل أمم الأنبياء قصدوهم بالسوء لقوله تعالى :﴿وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ﴾ [ غافر : ٥ ] وكفاهم الله شر من عاداهم.
واعلم أنه تعالى لما أطنب في شرح الوعيد والوعد والترهيب والترغيب ختم الكلام بخاتمة هي الفصل الحق فقال :﴿وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * وَمَن يَهْدِ الله فَمَا لَهُ مِن مُّضِلّ﴾ يعني هذا الفضل لا ينفع والبينات إلا إذا خص الله العبد بالهداية والتوفيق وقوله :﴿أَلَيْسَ الله بِعَزِيزٍ ذِى انتقام﴾ تهديد للكفار.


الصفحة التالية
Icon