وقال أبو حيان فى الآيات السابقة :
﴿ فمن أظلم ممن كذب على الله ﴾ :
هذا تفسير وبيان للذين يكون بينهم الخصومة، وهذا يدل على أن الاختصام السابق يكون بين المؤمنين والكافرين، والمعنى : لا أجد في المكذبين أظلم ممن افترى على الله، فنسب إليه الولد والصاحبة والشريك، وحرّم وحلل من غير أمر الله ؛ ﴿ وكذب بالصدق ﴾ : وهو ما جاء به رسول الله ( ﷺ ) ؛ ﴿ إذا جاءه ﴾ : أي وقت مجيئه، فاجأه بالتكذيب من غير فكر ولا ارتياء ولا نظر، بل وقت مجيئه كذب به.
ثم توعدهم توعداً فيه احتقارهم على جهة التوقيف، وللكافرين مما قام فيه الظاهر مقام المضمر، أي مثوى لهم، وفيه تنبيه على علة كذبهم وتكذبيهم، وهو الكفر.
﴿ والذي جاء بالصدق ﴾ معادله لقوله :﴿ فمن أظلم ﴾.
﴿ وصدّق به ﴾ مقابل لقوله :﴿ وكذب بالصدق ﴾.
والذي جنس، كأنه قال : والفريق الذي جاء بالصدق، ويدل عليه :﴿ أولئك هم المتقون ﴾، فجمع.
كما أن المراد بقوله :﴿ فمن أظلم ﴾، يراد به جمع، ولذلك قال ﴿ مثوى للكافرين ﴾.
وفي قراءة عبد الله : والذي جاؤا بالصدق وصدقوا به.
وقيل : أراد والذين، فحذفت منه النون، وهذا ليس بصحيح، إذ لو أريد الذين بلفظ الذي وحذفت منه النون، لكان الضمير مجموعاً كقوله_@_ :
وإن الذي حانت بفلح دماؤهم...
_@_ألا ترى أنه إذا حذفت النون في المثنى كان الضمير مثنى؟ كقوله :
أبني كليب أن عميّ اللذا...
قتلا الملوك وفككا الأغلالا
وقيل : الذي جاء بالصدق وصدق به هو رسول الله ( ﷺ ).
وقيل : الذي جاء بالصدق جبريل، والذي صدق به هو محمد ( ﷺ ).
وقال عليّ، وأبو العالية، والكلبي، وجماعة : الذي جاء بالصدق هو الرسول، والذي صدق به هو أبو بكر.
وقال أبو الأسود، ومجاهد، وجماعة : الذي صدق به وهو عليّ بن أبي طالب.
وقال الزمخشري : والذي جاء بالصدق وصدق به هو رسول الله ( ﷺ ).