ولما كان النوم منقضياً، دلنا بقرانه بالموت على أن الموت أيضاً منقض، ولا بد لأن الفاعل لكل منهما واحد، فسبب عن ذلك قوله :﴿فيمسك﴾ أي فيتسبب عن الوفاتين أنه يمسك عنده ﴿التي قضى﴾ أي ختم وحكم وبت بتاً مقدراً مفروغاً منه، وقراءة البناء للمفعول موضحة لهذا المعنى بزيادة اليسر والسهولة ﴿عليها الموت﴾ مظروفة لمماتها، لا تقدر على تصريف جسدها ما دام الموت محيطاً بها كما أن النائمة كذلك ما دام النوم محيطاً بها ﴿ويرسل الأخرى﴾ أي التي أخر موتها، وجعلها مظروفة للمنام لأنها لم ينقض أجلها الذي ضربه لها بأن يفنى بالمنام فيوقظها لتصريف أبدانها، ويجعل ذلك الإمساك للميتة، والإرسال للنائمة ﴿إلى أجل مسمى﴾ لبعث الميتة ولموت النائمة، لا يعلمه غيره، فإذا جاء ذلك الأجل أمات النائمة وبعث الميتة، وقد ظهر من التقدير الذي هدى إليه قطعاً السياق أن النفس التي تنام هي التي تموت وهي الروح، قال ابن الصلاح في فتاويه : وهو الأشبه بظاهر الكتاب والسنّة - انتهى.
روى الطبراني في الأوسط - قال الهيثمي : ورجاله رجال الصحيح - عن ابن عباس رضي الله الله عنهما قال : تلتقي أرواح الأحياء والأموات، فيتساءلون بينهم، فيمسك الله أرواح الموتى ويرسل أرواح الأحياء إلى أجسادها.
وروى البخاري عن أبي هريرة ـ رضى الله عنه ـ أن النبي ـ ﷺ ـ قال :" إذا أوى أحدكم إلى فراشه فليقل " باسمك ربي وضعت جنبي اللهم إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين " " وظهر أيضاَ أن الآية من الاحتباك : ذكر الحين أولاً دليلاً على تقدير مثله في النوم ثانياً، والمنام ثانياً دليلاً على حذف الممات أولاً.