ويظهر أنه استئناف إخبار عن نفسه بما كان عليه في الدنيا، لا حال.
﴿ أو تقول لو أن الله هداني ﴾ : أي خلق في الهداية بالإلجاء، وهو خارج عن الحكمة، أو بالألطاف، ولم يكن من أهلها فيلطف به، أو بالوحي، فقد كان، ولكنه أعرض، ولم يتبعه حتى يهتدي.
وإنما يقول هذا تحيراً في أمره، وتعللاً بما يجدي عليه.
كما حكى عنهم التعلل بإغواء الرؤساء والشياطين ونحوه : لو هدانا الله لهديناكم.
انتهى، وهو على طريقة الاعتزال.
وانتصب ﴿ فأكون ﴾ على جواب التمني الدال عليه لو، أو على كرة، إذ هو مصدر، فيكون مثل قوله :
فما لك منها غير ذكرى وحسرة...
وتسأل عن ركبانها أين يمموا
وقول الآخر :
للبس عباءة وتقر عيني...
أحب إليّ من لبس الشفوف
والفرق بينهما أن الفاء إذا كانت في جواب التمني، كانت أن واجبة الإضمار، وكان الكون مترتباً على حصول المتمني، لا متمنى.
وإذا كانت للعطف على كرة، جاز إظهار أن وإضمارها، وكان الكون متمني.
﴿ بلى ﴾ : هو حرف جواب لمنفي، أو لداخل عليه همزة التقرير.
ولما كان قوله :﴿ لو أن الله هداني ﴾ وجوابه متضمناً نفي الهداية، كأنه قال : ما هداني الله، فقيل له :﴿ بلى قد جاءتك آياتي ﴾ مرشدة لك، فكذبت.
وقال الزمخشري : رد من الله عليه ومعناه : بلى قد هديت بالوحي.
انتهى، جرياً على قواعد المعتزلة.
وقال ابن عطية : وحق بلى أن تجيء بعد نفي عليه تقرير، وقوله :﴿ بلى ﴾ جواب لنفي مقدر، كأن النفس قالت : فعمري في الدنيا لم يتسع للنظر، أو قالت : فإني لم يتبين لي الأمر في الدنيا ونحو هذا. انتهى.
وليس حق بلى ما ذكر، بل حقها أن تكون جواب نفي.
ثم حمل التقرير على النفي، ولذلك لم يحمله عليه بعض العرب، وأجابه بنعم، ووقع ذلك أيضاً في كلام سيبويه نفسه أن أجاب التقرير بنعم اتباعاً لبعض العرب.