وقال القاضي : يجب حمل الآية على الكل من المجبرة والمشبهة وكل من وصف الله بما لا يليق به نفياً وإثباتاً، فأضاف إليه ما يجب أن لا يضاف إليه، فالكل كذبوا على الله ؛ فتخصيص الآية بالمجبرة والمشبهة واليهود والنصارى لا يجوز.
وقال الزمخشري :﴿ كذبوا على الله ﴾ : وصفوه بما لا يجوز عليه، وهو متعال عنه، فأضافوا إليه الولد والشريك، وقالوا :﴿ شفعاؤنا عند الله ﴾ وقالوا :﴿ لو شاء الرحمن ما عبدناهم ﴾ وقالوا :﴿ والله أمرنا بها ﴾ ولا يعبد عنهم قوم يسفهونه بفعل القبائح.
ويجوز أن يخلق خلقاً لا لغرض، وقوله : لا لغرض، ويظلمونه بتكليف ما لا يطاق، ويجسمونه بكونه مرئياً مدركاً بالحاسة، ويثبتون له يداً وقدماً وجنباً مستترين بالبلكفة، ويجعلون له أنداداً بإثباتهم معه قدماً.
انتهى، وكلام من قبله على طريقة المعتزلة.
والظاهر أن الرؤية من رؤية البصر، وأن ﴿ وجوههم مسودة ﴾ جملة في موضع الحال، وفيها رد على الزمخشري، إذ زعم أن حذف الواو من الجملة الاسمية المشتملة على ضمير ذي الحال شاذ، وتبع في ذلك الفراء، وقد أعرب هو هذه الجملة حالاً، فكأنه رجع عن مذهبه ذلك، وأجاز أيضاً أن تكون من رؤية القلب في موضع المفعول الثاني، وهو بعيد، لأن تعلق البصر برؤية الأجسام وألوانها أظهر من تعلق القلب.
وقرىء : وجوههم مسودّة بنصبهما، فوجوههم بدل بعض من كل.
وقرأ أبي : أجوههم، بإبدال الواو همزة، والظاهر أن الاسوداد حقيقة، كما مر في قوله :﴿ فأما الذين اسودت وجوههم ﴾ وقال ابن عطية : ويحتمل أن يكون في العبارة تجوز، وعبر بالسواد عن ارتداد وجوههم وغالب همهم وظاهر كآبتهم.
ولما ذكر تعالى حال الكاذبين على الله، ذكر حال المتقين، أي الكذب على الله وغيره، مما يؤول بصاحبه إلى اسوداد وجهه، وفي ذلك الترغيب في هذا الوصف الجليل الذي هو التقوى.


الصفحة التالية
Icon