وقال الفراء : الجنب القرب، والجوار، أي : في قرب الله، وجواره، ومنه قوله :﴿ والصاحب بالجنب ﴾ [ النساء : ٣٦ ]، والمعنى على هذا القول، على ما فرّطت في طلب جنب الله، أي : في طلب جواره، وقربه، وهو : الجنة، وبه قال ابن الأعرابي، وقال الزجاج : أي فرّطت في الطريق الذي هو : طريق الله من توحيده، والإقرار بنبوّة رسول الله ﷺ، وعلى هذا، فالجنب بمعنى : الجانب، أي : قصرت في الجانب الذي يؤدّي إلى رضا الله، ومنه قول الشاعر :
للناس جنب والأمير جنب... أي : الناس من جانب، والأمير من جانب ﴿ وَإِن كُنتُ لَمِنَ الساخرين ﴾ أي : وما كنت إلا من المستهزئين بدين الله في الدنيا، ومحل الجملة النصب على الحال.
قال قتادة : لم يكفه أن ضيع طاعة الله حتى سخر من أهلها ﴿ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ الله هَدَانِى لَكُنتُ مِنَ المتقين ﴾ أي : لو أن الله أرشدني إلى دينه لكنت ممن يتقي الشرك، والمعاصي، وهذا من جملة ما يحتج به المشركون من الحجج الزائفة، ويتعللون به من العلل الباطلة كما في قوله :﴿ سَيَقُولُ الذين أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء الله مَا أَشْرَكْنَا ﴾ [ الأنعام : ١٤٨ ]، فهي : كلمة حقّ يريدون بها باطلاً.
ثم ذكر سبحانه مقالة أخرى مما قالوا، فقال :﴿ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى العذاب لَوْ أَنَّ لِى كَرَّةً ﴾ أي : رجعة إلى الدنيا ﴿ فَأَكُونَ مِنَ المحسنين ﴾ المؤمنين بالله الموحدين له، المحسنين في أعمالهم، وانتصاب أكون إما لكونه معطوفاً على كرّة، فإنها مصدر، وأكون في تأويل المصدر كما في قول الشاعر :
للبس عباءة وتقرّ عيني... أحبّ إليّ من لبس الشفوف
وأنشد الفرّاء على هذا :
فما لك منها غير ذكرى وخشية... وتسأل عن ركبانها أين يمموا
وإما لكونه جواب التمني المفهوم من قوله :﴿ لَوْ أَنَّ لِى كَرَّةً ﴾.


الصفحة التالية
Icon