ولما كان حق كل أحد قريباً منه حساً أو معنى حنى كأنه إلى جنبه، وكان بالجنب قوام الشيء ولكنه قد يفرط فيه لكونه منحرفاً عن الوجاه والعيان، فيدل التفريط فيه على نسبة المفرط لصاحبه إلى الغفلة عنه، وذلك أمر لا يغفر، قال :﴿في جنب﴾ وصرف القول إلى الاسم الأعظم لزيادة التهويل بقوله :﴿الله﴾ أي حق الملك الأعظم الذي هو غير مغفول عنه ولا متهاون به.
ولما كان المضرور المعذب المقهور يبالغ في الاعتراف، رجاء القبول والانصراف، قال مؤكداً مبالغة في الإعلام بالإقلاع عما كان يقتضيه حاله، ويصرح به مقاله، من أنه على الحق واجد الجد :﴿وإن﴾ أي والحال أني ﴿كنت﴾ أي كان ذلك في طبعي ﴿لمن الساخرين﴾ أي المستهزئين المتكبرين المنزلين أنفسهم في غير منزلتها، وذلك أنه ما كفاني المعصية حتى كنت أسخر من أهل الطاعة، أي تقول : هذا لعله يقيل منها ويعفي عنها على عادة المترققين في وقت الشدائد، لعلهم يعادون إلى أجمل العوائد.
ولما كانت النفس إذا وقعت في ورطة لا تدع وجهاً محتملاً حتى تتعلق بأذياله، وتمت بحباله وتفتر بمحاله، قال حاكياً كذبها حيث لا يغني إلا الصدق :﴿أو تقول﴾ أي عند نزول ما لا قبل لها به ﴿لو أن﴾ وأظهر ولم يضمر إظهاراً للتعظيم وتلذذاً بذكر الاسم الشريف فقال :﴿الله﴾ أي الذي له القدرة الكاملة والعلم الشامل ﴿هداني﴾ أي ببيان الطريق ﴿لكنت﴾ أي ملازماً ملازمة المطبوع على كوني ﴿من المتقين﴾ أي الذي لا يقدمون على فعل ما لم يدلهم عليه دليل.


الصفحة التالية