فصل
قال الفخر :
وسادسها : قولهم ﴿يا حسرتى على مَا فَرَّطَتُ فِى جَنبِ الله﴾ ولا يتحسر المرء على أمر سبق منه إلا وكان يصح منه أن يفعله، وسابعها : قوله تعالى :﴿على مَا فَرَّطَتُ فِى جَنبِ الله﴾ ومن لا يقدر على الإيمان كما يقول القوم ولا يكون الإيمان من فعله لا يكون مفرطاً، وثامنها : ذمه لهم بأنهم من الساخرين، وذلك لا يتم إلا أن تكون السخرية فعلهم وكان يصح منهم أن لا يفعلوه، وتاسعها : قوله ﴿لَوْ أَنَّ الله هَدَانِى﴾ أي مكنني ﴿لَكُنتُ مِنَ المتقين﴾ وعلى هذا قولهم إذا لم يقدر على التقوى فكيف يصح ذلك منه، وعاشرها : قوله ﴿لَوْ أَنَّ لِى كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ المحسنين﴾ وعلى قولهم لو رده الله أبداً كرة بعد كرة، وليس فيه إلا قدرة الكفر لم يصح أن يكون محسناً، والحادي عشر : قوله تعالى موبخاً لهم ﴿بلى قَدْ جَاءتْكَ ءاياتى فَكَذَّبْتَ بِهَا واستكبرت وَكُنتَ مِنَ الكافرين﴾ فبيّن تعالى أن الحجة عليهم لله لأن الحجة لهم على الله، ولو أن الأمر كما قالوا لكان لهم أن يقولوا : قد جاءتنا الآيات ولكنك خلقت فينا التكذيب بها ولم تقدرنا على التصديق بها.
والثاني عشر : أنه تعالى وصفهم بالتكذيب والاستكبار والكفر على وجه الذم ولو لم تكن هذه الأشياء أفعالاً لهم لما صح الكلام، والجواب عنه أن هذه الوجوه معارضة، بما أن القرآن مملوء من أن الله تعالى يضل ويمنع ويصدر منه اللين والقسوة والاستدراج، ولما كان هذا التفسير مملوءاً منه لم يكن إلى الإعادة حاجة.
وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ
اعلم أن هذا نوع آخر من تقرير الوعيد والوعد، أما الوعيد فقوله تعالى :﴿وَيَوْمَ القيامة تَرَى الذين كَذَبُواْ عَلَى الله وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ﴾ وفيه بحثان : أحدهما : أن هذا التكذيب كيف هو ؟ والثاني : أن هذا السواد كيف هو ؟.