وهو قريب من احتجاج المشركين فيما أخبر الرب جل وعز عنهم في قوله :﴿ سَيَقُولُ الذين أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ الله مَآ أَشْرَكْنَا ﴾ [ الأنعام : ١٤٨ ] فهي كلمة حق أريد بها باطل ؛ كما قال عليّ رضي الله عنه لما قال قائل من الخوارج لا حكم إلا لله.
﴿ أَوْ تَقُولَ ﴾ يعني هذه النفس ﴿ حِينَ تَرَى العذاب لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً ﴾ أي رجعة.
﴿ فَأَكُونَ ﴾ نصب على جواب التمني، وإن شئت كان معطوفاً على ﴿ كَرَّةً ﴾ لأن معناها أن أكر ؛ كما قال الشاعر :
لَلُبْسُ عَبَاءَةٍ وتَقَرَّ عَيْنِي...
أَحبُّ إِليَّ مِنْ لُبْسِ الشُفُوفِ
وأنشد الفراء :
فمَالكَ مِنها غَيْرُ ذِكْرى وخَشْيَةٍ...
وتَسْألَ عن رُكْبَانِها أَيْنَ يَمَّمُوا
فنصب و ( تسأل ) على موضع الذكرى ؛ لأن معنى الكلام فمالك منها إلا أن تذكر.
ومنه للبس عباءة وتقرّ ؛ أي لأن ألبس عباءة وتقرّ.
وقال أبو صالح : كان رجل عالم في بني إسرائيل وجد رقعة : إن العبد ليعمل الزمان الطويل بطاعة الله فيختم له عمله بعمل أهل النار فيدخل النار، وإن الرجل ليعمل الزمن الطويل بمعصية الله ثم يختم له عمله بعمل رجل من أهل الجنة فيدخل الجنة ؛ فقال : ولأي شيء أتعب نفسي فترك عمله وأخذ في الفسوق والمعصية، وقال له إبليس : لك عمر طويل فتمتع في الدنيا ثم تتوب، فأخذ في الفسوق وأنفق ماله في الفجور، فأتاه ملك الموت في ألذ ما كان، فقال : يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله ؛ ذهب عمري في طاعة الشيطان، فندم حين لا ينفعه الندم ؛ فأنزل الله خبره في القرآن.
وقال قتادة : هؤلاء أصناف ؛ صنف منهم قال :﴿ يا حسرتى على مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ الله ﴾.
وصنف منهم قال :﴿ لَوْ أَنَّ الله هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ المتقين ﴾.


الصفحة التالية
Icon