ولما كان المخوف منه والمحزون عليه جامعين لكل ما في الكون فكان لا يقدر على دفعهما إلا المبدع القيوم، قال مستأنفاً أو معللاً مظهراً الاسم الأعظم تعظيماً للمقام :﴿الله﴾ أي المحيط بكل شيء قدرة وعلماً الذي نجاهم ﴿خالق كل شيء﴾ فلا يكون شيء أصلاً إلا بخلقه، وهو لا يخلق ما يتوقعون منه خوفاً، ولا يقع لهم عليه حزن.
ولما دل هذا على القدرة الشاملة، كان ولا بد معها من العلم الكامل قال :﴿وهو﴾ وعبر بأداة الاستعلاء لأنه من أحسن مجزأتها ﴿على كل شيء﴾ أي مع القهر والغلبة ﴿وكيل﴾ أي حفيظ لجميع ما يريد منه، قيوم لا عجز يلم بساحته ولا غفلة.
ولما كان الخافقان خزائن الكائنات، وكان لا يتصرف في الخزائن إلا ذو المفاتيح، قال دالاً على وكالته :﴿له﴾ أي وحده ﴿مقاليد﴾ واحدها مقلاد مثل مفتاح، ومقليد مثل قنديل، وهي المفاتيح والأمور الجامعة القوية وهي استعارة لشدة التمكن من ﴿السماوات﴾ أي جميع أعدادها ﴿والأرض﴾ أي جنسها خزائنهما وأمورهما ومفاتيحهما الجامعة لكل ما فيهما، فلا يمكن أن يكون فيهما شيء ولا أن يتصرف فيه شيء منهما ولا فيهما أحد إلا بإذنه فلا بدع في تنجيته الذين اتقوا.
ولما كان التقدير : فالذين آمنوا بالله وتقبلوا آياته أولئك هم الفائزون، عطف عليه قوله الذي اقتضاه سياق التهديد :﴿والذين كفروا﴾ أي لبسوا ما اتضح لهم من الدلالات، وجحدوا أن تكون الأمور كلها بيده ﴿بآيات الله﴾ أي الذي لا ظاهر غيرها، فإنه ليس في الوجود إلا ذاته سبحانه وهي غيب لا يمكن المخلوق دركها، وأفعاله وهي أظهر الأشياء، وصفاته وهي غيب من جهة شهادة من جهة أخرى ﴿أولئك﴾ البعداء البغضاء ﴿هم﴾ خاصة ﴿الخاسرون﴾ فإنهم خسروا نفوسهم وكل شيء يتصل بها على وجع النفع لأن كفرهم أقبح الكفر من حيث إنه متعلق بأظهر الأشياء.


الصفحة التالية
Icon