فصل


قال الفخر :
﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ﴾
اعلم أنه تعالى لما أطنب في الوعيد أردفه بشرح كمال رحمته وفضله وإحسانه في حق العبيد وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
احتج أصحابنا بهذه الآية على أنه تعالى يعفو عن الكبائر، فقالوا : إنا بينا في هذا الكتاب أن عرف القرآن جار بتخصيص اسم العباد بالمؤمنين (١)
قال تعالى :﴿وَعِبَادُ الرحمن الذين يَمْشُونَ على الأرض هَوْناً﴾ [ الفرقان : ٦٣ ] وقال :﴿عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ الله﴾ [ الإنسان : ٦ ] ولأن لفظ العباد مذكور في معرض التعظيم، فوجب أن لا يقع إلا على المؤمنين، إذا ثبت هذا ظهر أن قوله ﴿يا عِبَادِى﴾ مختص بالمؤمنين، ولأن المؤمن هو الذي يعترف بكونه عبد الله، أما المشركون فإنهم يسمون أنفسهم بعبد اللات والعزى وعبد المسيح، فثبت أن قوله ﴿يا عِبَادِى﴾ لا يليق إلا بالمؤمنين، إذا ثبت هذا فنقول إنه تعالى قال :﴿الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ﴾ وهذا عام في حق جميع المسرفين.
(١) الصواب أن يقال :«بتخصيص اسم العباد بالمؤمنين إذا أضيف إلى اللّه تعالى، كما في الآية والآيتين اللتين استشهد بها، وإلا فإن هذا يعارضه قول اللّه تعالى : يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ [يس : ٣٠] فالذين يستهزئون برسل اللّه ليسوا بمؤمنين والذين يتحسر عليهم لم يذكروا في معرض التعظيم وإنما ذكروا في الذم والإهانة كما هو صريح الآية ولو صح ذلك لم يحتج إلى نعت العباد ووصفهم بصفات تقتضي المدح أو القدح، فلفظ العباد يشمل المؤمن والكافر، ولذا خصصه بالصفة.


الصفحة التالية
Icon