كلام نفيس فى الآية الكريمة
﴿فإن آمنوا﴾ أى اليهود والنصارى ﴿بمثل ما﴾ أى بمثل الدين الذى ﴿آمنتم به﴾ هذا من باب التعجيز والتبكيت أى إلزام الخصم وإلجائه إلى الاعتراف بالحق بإرخاء عنانه وسد طرق المجادلة عليه والمثل مقحم والمعنى فإن آمنوا بما آمنتم به وهو الله فإنه ليس لله تعالى مثل وكذا لدين الإسلام ﴿فقد اهتدوا﴾ إلى الحق وأصابوه كما اهتديتم وحصل بينكم الإتحاد والاتفاق ﴿وإن تولوا﴾ أى إن اعرضوا عن الإيمان على الوجه المذكور بأن أخلوا بشئ من ذلك كأن آمنوا ببعض وكفروا ببعض كما هو ديدنهم ودينهم ﴿فإنما هم فى شقاق﴾ أى مستقرون فى خلاف عظيم بعيد من الحق وهذا لدفع ما يتوهم من احتمال الوفاق بسبب إيمانهم ببعض ما آمن به المؤمنون فقوله فى شقاق خبر لقوله هم وجعل الشقاق ظرفا لهم وهم مظروفون له مبالغة فى الإخبار باستيلائه عليهم فإنه أبلغ من قولك هم مشاقون والشقاق مأخوذ من الشق وهو الجانب فكأن كل واحد من الفريقين فى شق غير شق صاحبه بسبب العداوة ولما دل تنكير الشقاق على امتناع الوفاق وأن ذلك مما يؤدى إلى الجدال والقتال لا محالة عقب ذلك بتسلية رسول الله ـ ﷺ ـ وتفريح المؤمنين بوعد النصرة والغلبة وضمان التأييد والإعزاز بالسين للتأكيد الدالة على تحقق الوقوع ألبتة فقيل ﴿فسيكفيكهم الله﴾ الضميران منصوبا المحل على أنهما مفعولان ليكفى يقال كفاه مؤنته كفاية وإن كثر استعمالة معدى إلى واحد نحو كفاك الشئ والظاهر أن المفعول الثانى حقيقة فى الآية هو المضاف المقدر أى فسيكفى الله إياك أمر اليهود والنصارى ويدفع شرهم عنك وينصرك عليهم فإن الكفاية لا تتعلق بالأعيان بل بالأفعال وقد أنجز الله وعده الكريم بالقتل والسبى فى بنى قريظة والجلاء والنفى إلى الشام وغيره فى بنى النضير والجزية والذلة فى نصارى نجران ﴿وهو السميع العليم﴾ تذييل لما سبق من الوعد وتأكيد له والمعنى إنه تعالى يسمع ما تدعو به ويعلم ما فى نيتك من
إظهار الدين فيستجيب لك ويوصلك إلى مرادك. أ هـ ﴿روح البيان حـ١ صـ ٣٠٣ ـ ٣٠٤﴾