فإن قيل : الاستفهام على سبيل الإنكار إنما يتوجه على كلام باطل، والمحكى عن يعقوب في هذه الآية ليس كلاًما باطلاً بل حقاً، فكيف يمكن صرف الاستفهام على سبيل الإنكار إليه ؟
قلنا : الاستفهام على سبيل الإنكار متعلق بمجرد ادعائهم الحضور عند وفاته هذا هو الذي أنكره الله تعالى. فأما ذكره بعد ذلك من قول يعقوب ـ عليه السلام ـ :﴿مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِى﴾ فهو كلام مفصل بل كأنه تعالى لما أنكر حضورهم في ذلك الوقت شرح بعد ذلك كيفية تلك الوصية.
القول الثاني : في أن ﴿أم﴾ في هذه الآية متصلة، وطريق ذلك أن يقدر قبلها محذوف كأنه قيل : أتدعون على الأنبياء اليهودية، أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت ؛ يعني إن أوائلكم من بني إسرائيل كانوا مشاهدين له إذ دعا بنيه إلى ملة الإسلام والتوحيد، وقد علمتم ذلك فما لكم تدعون على الأنبياء ما هم منه برآء. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٤ صـ ٦٧ ـ ٦٨﴾
سؤال : لفظة ﴿ما﴾ لغير العقلاء فكيف أطلقه في المعبود الحق ؟
وجوابه من وجهين : الأول : أن ﴿ما﴾ عام في كل شيء والمعنى أي شيء تعبدون. والثاني : قوله :﴿مَا تَعْبُدُونَ﴾ كقولك عند طلب الحد والرسم : ما الإنسان ؟.
أهـ ﴿مفاتيح الغيب حـ٤ صـ ٦٨﴾
فائدة
حكى القاضي عن ابن عباس : أن يعقوب ـ عليه السلام ـ جمعهم إليه عند الوفاة، وهم كانوا يعبدون الأوثان والنيران، فقال : يا بني ما تعبدون من بعدي ؟ قالوا : نعبد إهلك وإله آبائك ثم قال القاضي : هذا بعيد لوجهين. الأول : أنهم بادروا إلى الاعتراف بالتوحيد مبادرة من تقدم منه العلم واليقين. الثاني : أنه تعالى ذكر في الكتاب حال الأسباط من أولاد يعقوب وأنهم كانوا قوماً صالحين وذلك لا يليق بحالهم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ٤ صـ ٦٩﴾
سؤال : لم ذكر هذه العبارة ﴿إذ حضر يعقوب الموت﴾ قبل ذكر الخبر ؟