وَالْحِجَاجُ لِلْفَرْقِ الْمُخْتَلِفِينَ فِيهِ إلَّا أَنَّ الْحِجَاجَ بِالْآيَةِ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : ظَاهِرُ تَسْمِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهُ أَبًا، وَالثَّانِي : احْتِجَاجُ ابْنِ عَبَّاسٍ بِذَلِكَ وَإِطْلَاقُهُ أَنَّ الْجَدَّ أَبٌ، وَكَذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ لَا يَخْفَى عَلَيْهِمَا حُكْمُ الْأَسْمَاءِ مِنْ طَرِيقِ اللُّغَةِ ؛ وَإِنْ كَانَا أَطْلَقَاهُ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ فَحُجَّتُهُ ثَابِتَةٌ ؛ إذْ كَانَتْ أَسْمَاءُ الشَّرْعِ طَرِيقُهَا التَّوْقِيفُ، وَمَنْ يَدْفَعُ الِاحْتِجَاجَ بِهَذَا الظَّاهِرِ يَقُولُ : إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ سَمَّى الْعَمَّ أَبًا فِي الْآيَةِ لِذِكْرِهِ إسْمَاعِيلَ فِيهَا وَهُوَ عَمُّهُ وَلَا يَقُومُ مَقَامَ الْأَبِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ رُدُّوا عَلَيَّ أَبِي ﴾ يَعْنِي الْعَبَّاسَ وَهُوَ عَمُّهُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَيَعْتَرِضُ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْجَدَّ إنَّمَا سُمِّيَ أَبًا عَلَى وَجْهِ الْمَجَازِ لِجَوَازِ انْتِفَاءِ اسْمِ الْأَبِ عَنْهُ ؛ لِأَنَّك لَوْ قُلْت لِلْجَدِّ إنَّهُ لَيْسَ بِأَبٍ لَكَانَ ذَلِكَ نَفْيًا صَحِيحًا، وَأَسْمَاءُ الْحَقَائِقِ لَا تَنْتَفِي عَنْ مُسَمَّيَاتِهَا بِحَالٍ.
وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى أَنَّ الْجَدَّ إنَّمَا سُمِّيَ أَبًا بِتَقْيِيدِ، وَالْإِطْلَاقُ لَا يَتَنَاوَلُهُ، فَلَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ فِيهِ بِعُمُومِ لَفْظِ الْأَبَوَيْنِ فِي الْآيَةِ، وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى أَنَّ الْأَبَ الْأَدْنَى فِي قَوْله تَعَالَى ﴿ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ ﴾ مُرَادٌ بِالْآيَةِ فَلَا جَائِزَ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْجَدُّ ؛ لِأَنَّهُ مَجَازٌ وَلَا يَتَنَاوَلُ الْإِطْلَاقُ لِلْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ.