ولما كان منهم من لا يصعق ليعرف دائماً أنه في كل فعل من أفعاله مختار قادر جبار، استثناه فقال :﴿إلا من شاء الله﴾ أي الذي له مجامع العظمة ومعاقد العز، فيجعل الشيء الواحد هلاكاً لقوم دون قوم، وصعقاً لقوم دون قوم، يجعل ذلك الذي كان به الهلاك به الحياة وذلك الذي كان به الغشي به الإفاقة وإن كان بالنسبة إليهم على حد سواء، إعلاماً بأن الفاعل لما يريد لا الأثر، قيل : المستثنون الشهداء وقيل : غيرهم ﴿ثم نفخ فيه أخرى﴾ أي نفخة ثانية من هذه، وهي رابعة من النفخة المميتة، ودل على سرعة تأثيرها بالفجاءة في قوله :﴿فإذا هم قيام﴾ أي قائمون كلهم ﴿ينظرون﴾ أي يقبلون أبصارهم أو ينتظرون ما يأتي بعد ذلك من أمثاله من دلائل العظمة، وهاتان النفختان هما المرادتان في حديث تخاصم اليهود مع المسلم الذي لطم وجهه، وفي آخره :" يصعق الناس يوم القيامة فأكون أول من يفيق فإذا موسى باطش بجانب العرش فلا أدري أفاق قبلي أو جوزي بصعقة الطور " - وقد رواه البخاري في الخصومات في موضعين، وفي أحاديث الأنبياء في موضعين، وفي الرقاق وفي التوحيد ومسلم في الفضائل، وأبو داود في السنة، والنسائي في التفسير والنعوت، وبتفصيل رواياته وجمع ألفاظها يعلم أن ما ذكرته هو المراد روى البخاري ومسلم في أحاديث الأنبياء عن أبي هريرة ـ رضى الله عنه ـ قال :" بينما يهودي يعرض سلعة له - وقال البخاري : سلعته - أعطى بها شيئاً كرهه أو لم يرضه، قال : لا والذي اصطفى موسى على البشر! فسمعه رجل من الأنصار فلطم - وقال البخاري : فقام فلطم وجهه، قال : تقول : والذي اصطفى موسى على البشر ورسول الله ـ ﷺ ـ بين أظهرنا، فذهب اليهودي إلى رسول الله ـ ﷺ ـ فقال : يا أبا القاسم إن لي ذمة وعهداً، وقال : فلان لطم وجهي، - وقال البخاري : فما بال فلان لطم وجهي؟ - فقال رسول الله ـ ﷺ ـ : لم لطمت وجهه؟ قال


الصفحة التالية
Icon