فتحرر من هذا أن الصعق يطلق على الموت فجأة، وعلى الغشي كذلك، وأن الإفاقة لا تكون إلا عن غشي لا عن موت، فعلم أن الصعقة في هذه الآية إنما هي غشي لأن الثانية عنها إفاقة، وأيضاً فمن الأمر المحقق أنه لا يموت أحد من أهل البرزخ فكيف بالأنبياء عليهم السلام، فالصواب حمل الصعقة المذكورة في الحديث على الغشي أو ما يشبهه، ويؤيده التجويز لأن تكون صعقة الطور جزاء عنها، وعلى تقدير أن تكون غشياً إن قلنا إنه يكون بنفخة الإماتة يلزم عليه أن لا يكون للغشي ولا لعدمه مدخل في الشك في أن موسى عليه السلام أفاق قبل أو لم يحصل له غشي أصلاً، لأن الذي يكون به بطشه بالعرش - وهو بروحه وجسه - إنما هو البعث من الموت لا الإفاقة من الغشي ولا عدم الغشي قبل البعث، فالذي يوضح الأمر ولا يدع فيه لبساً أن يكون ذلك بعد البعث، وتكون حينئذ النفخات أربعاً : الأولى لإماتة الأحياء، الثانية لإحياء جميع الموتى، وهاتان هما المذكورتان في سورة يس، ولذلك لما ذكرهما صرح في أمرهما بما لا يحتمل غيره ﴿ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون﴾ الثالثة لابتدائهم بعد البعث بالهول الشديد، والحال يقتضيه لأن ذلك اليوم يوم الأهوال والارعاب والارهاب، وإظهار العظمة والجلال لتقطيع الأسباب، والذي يدل عليه في هذا الحديث قوله ـ ﷺ ـ في كثير من رواياته :" فإن الناس يصعقون يوم القيامة " فإن يوم القيامة اسم للوقت الذي أوله البعث وآخره تكامل دخول كل فريق إلى داره ومحل استقراره، وأما صعقة الموت فإنها في دار الدنيا وهي للإنامة لا للإقامة، ويضعف حمله على ما قبل البعث الروايات الصحيحة الجازمة بأن النبي ـ ﷺ ـ أول من تنشق عنه الأرض، وما حكاه الكرماني من الإجماع على ذلك ولا فخر فيه إلا بحصول البعث لا بإظهار