قال تعالى "وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ" كناية عن الجاهل والعالم ولذلك حث الأنبياء على تعليمهم العلم لأممهم ليكونوا على بصيرة من هذه الفتن وأشباهها "وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلَا الْمُسِي ءُ" أي لا يستوون أيضا، فتذكروا أيها الناس وتفكروا وكونوا على بصيرة من أمركم فإنكم "قَلِيلًا ما تَتَذَكَّرُونَ ٥٨" في الأمثال التي يضربها اللّه لكم لأن تذكركم في مكوناته قليل جدا وإنكم في غفلة عنها لأنكم لو توغلتم في الفكر في معاني أمثال اللّه ومغازيهه لو قفتم على علوم كثيرة وفوائد وفيرة ولعرفتم الفرق بين الأعمى والبصير والمحسن والمسيء ولتيقنتم "إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها" ولا شك ولا مرية في مجيئها عند كل مؤمن عارف "وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ ٥٩" بها، لأن الكفرة والجهلة دائما أكثر من المؤمنين والعالمين في كل زمان وأوان لا في كل مكان، إذ قد يوجد مكان على العكس وهو نادر، وهذا العموم يخص منه بداية ذرية آدم إلى زمن قتل قابيل هابيل وبداية الزمن الذي رسى فيه نوح عليه السلام ومن معه بالسفينة على الجودي لأن الأكثر بل الكل مؤمنين على القول بأن الطوفان عم وجه الأرض كلها وإنه لم يبق إلا نوح ومن معه ولهذا سمي بأبي البشر الثاني.
مطلب في الدعاء والعبادة وإنعام اللّه على عباده ومراتب الإنسان في الخلق وذم الجدال :