قال تعالى "ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا" باللّه ورسله وكتبه، أما المؤمنون فلا يجادلون بل يمتثلون أوامر ربهم فيه وينقادون لها ويسلمون لما جاء به الرسل ويحققونه فعلا.
واعلم أن هذه الآية والآية ١٧٦ من سورة البقرة في ج ٣ وهي (ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) من أشد آيات القرآن على المجادلين فيه.
أخرج أبو داود عن أبي هريرة قال : إن جدالا في القرآن كفر، وقال المراء في القرآن كفر.
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قوما يتمارون، فقال إنما هلك من كان قبلكم بهذا ضربوا كتاب اللّه عزّ وجل بعضه ببعض، وإنما أنزل الكتاب ليصدق بعضه بعضا، فلا تكذبوا بعضه ببعضه فما علمتم منه فقولوه وما جهلتم منه فكلوه إلى عالمه.
وروى مسلم عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال :
هاجرت إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يوما فسمع أصوات رجلين اختلفا في آية، فخرج صلّى اللّه عليه وسلم يعرف في وجهه الغضب، فقال إنما هلك من كان قبلكم باختلافهم في الكتاب.
وقد نزلت هذه الآية في الحارث بن قيس السلمي أحد المستهزئين، والمراد بالجدال
ما كان منه بالباطل من الطعن في آيات اللّه المبرأة من الطعن، وما كان القصد منه ادحاض الحق وإطفاء نور اللّه عز وجل، يؤيد هذا ما سيأتي من تشبيه حال كفار مكة بكفرة الأحزاب قبلهم.
أما الجدال في آيات اللّه لإيضاح ملتبسها وحل مشكلها ومقاومة آراء أهل العلم في استنباط معانيها وبلاغة مبانيها وردّ شبه أهل الزيغ عنها وإحراقهم بإفحامهم وإظهار جهلهم فيها فهو أعظم من الجهاد في سبيل اللّه تعالى، وهو لازم على كل قادر كامل عارف في كلام اللّه.


الصفحة التالية
Icon