أي لا تستبعدوها أيها الناس، فإنها مباغتتكم وسترون من شدة هولها "إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ" تصعد قلوبهم إلى حناجرهم من شدة الفزع وكثرة الوجل فتكون في تراقيهم لا تعود لأماكنها فيستريحوا ولا تخرج من أفواههم فيموتوا حال كونهم "كاظِمِينَ" مكروبين ممسكين أنفسهم على قلوبهم ممتلئين خوفا وجزعا، لأن في ذلك اليوم "ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ" صديق شفوق أو قريب ودود أو حبيب رءوف يميلون إليه، ولا يقدر أحد أن يحميهم ولو بكلام "وَلا شَفِيعٍ" لهم في ذلك اليوم "يُطاعُ" قوله أو يسمع كلامه لأن شفعاء الكفرة أوثان مهانة لا شفاعة لها وأنها قد تتبرأ منهم وتنكر عبادتهم لها، وقد يأتي يطاع بمعنى يجاب قال الشاعر :
رب من أنضجت غيظا قلبه قد تمنى لي موتا لم يطع
وعليه يكون المعنى ما لهم شفيع يجاب طلبه، أي أن لهم أصدقاء وشفعاء ولكن لا يجاب طلبهم، وفي تلك الساعة شفعاء المؤمنين أيضا لا يقدرون أن يشفعوا إلا لمن يأذن لهم بشفاعته، فلا يتكلمون بالشفاعة لأحد إلا بإذنه ولمن يرتضيه سواء كانوا أنبياء أو أولياء أو شهداء أو أصدقاء وأقرباء صلحاء، فالكل إذ ذاك سكوت لا يقبل قول ولا يسمع كلام، إلا أن المؤمنين لهم أمل بالشفاعة من هؤلاء الكرام على اللّه تعالى وهو لا يخيب أملهم، أما الكافرون فلا أمل لهم البتة، لأن اللّه يهين أوثانهم التي كانوا يأملون شفاعتها، فتتقطع أفئدتهم أسفا وأسى وحزنا.
واعلموا أيها الناس أن ذلك الإله الجليل الذي ستعرضون عليه في ذلك اليوم "يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ" استراق النظر من أحدنا إلى ما لا يحل، فكل نظرة لما نهى اللّه عنه تسمى خائنة يحاسب عليها العبد، ألا فليتق اللّه الإنسان وليصرف نظره عن المحارم إلى ما أحل اللّه والتفكر في ملكوته والتملي من كتابه، ولا يستحسن إلا الحسن الجائز له أن يستحسنه، قال بعض العارفين :


الصفحة التالية
Icon