انتهى كلام المؤمن آمننا اللّه وإياه من عذابه ثم "قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ" ما أشير عليكم يا قوم "إِلَّا ما أَرى " لنفسي من النصح "وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ ٢٩" طريق الصلاح برأيي الصائب الذي لا أدخر منه شيئا ولا أسر غير ما أظهر وإني لا أستصوب إلا قتله لما فيه من المصلحة العامة لكم ولملككم، وان ما ترونه من خلافي فهو خطا وستعلمون ذلك، قاتله اللّه لو عرف سبيل الرشاد لآمن به ولكنه عديم الرشاد لأن اللّه بعثه رحمة له ولقومه فأبى قبولها ولما لم يتعرض لقول المؤمن لأنه لا يعرفه مؤمنا بموسى وهو يسمع كلامه، انبعثت فيه الغيرة وخاف أن تتفق الكلمة على قتله لما ذكر لهم فرعون من مصلحة بقاء الملك فقوى عزمه وأخذ بالعزيمة وبادر يرد عليه بما يخوفه فيه سوء العاقبة فقال فيما يحكيه عنه ربه "وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ" إن أجمعتم على قتله هلاكا عاما يستأصلكم "مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ ٣٠" الأمم الذين تحزبوا واجتمعوا على رسلهم
"مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ" إذ عمهم اللّه بالغرق "وَعادٍ" إذ أهلكهم اللّه بالريح العقيم "وَثَمُودَ" دمرهم اللّه بالصيحة "وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ" أهلكوا كذلك بعذاب من عند اللّه فكان لكل يوم دمار قوم، والمراد باليوم الأيام، وإنما لم يجمع لأن جمع الأحزاب المتضمن طوائف مختلفة زمانا ومكانا وعنصرا اغنى عن جمع اليوم "وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ ٣١" فيعذبهم بغير ذنب، ولكنهم أرادوا الظلم فظلموا فدمرهم اللّه، ونحن يا قومنا نخشى إن أردنا قتل هذا الرجل أن يصيبنا مثل ما أصابهم.
ولما رآهم أصغوا لكلامه