"وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً" قصرا عاليا مرتفعا في السماء ظاهرا المرائي على بعد، وقد مرّ بيانه في الآية ٣٨ من سورة القصص في ج ١ فراجعه تعلم ماهيته وما فعل اللّه به "لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ ٣٦" ثم بين هذه الأسباب العظيمة فأبدل منها "أَسْبابَ السَّماواتِ" يريد أطرافها وأبوابها وكل ما أداك إلى الشيء فهو سبب كالرشاء الحبل الموصل إلى الماء في غور البئر "فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى " نصب الفعل لجواب الترجي وهو جائز عند الكوفيين كالتمني ولم يجزه البصريون، وخرجوا نصب الفعل هنا على أنه جواب للأمر وهو (ابن) وعليه قوله :
يا ناق سيري عنقا فسيحا إلى سليمان فتستريحا
أي سيري فتستريح، قال تعالى حاكيا قول هذا الخبيث "وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً" فيما يدعيه من أن له ربا سواي، بل هو الكاذب قبحه اللّه وأرداه، قالوا إنه أراد بهذا البناء الرفيع رصد أحوال الكواكب التي هي أسباب تدل على الحوادث الأرضية، فيرى هل فيها ما يدل على رسالة موسى، لأنه كان حزاء يعرف في النجوم، وهذا يدل على أنه كان معترفا بوجود اللّه تعالى، ومما يؤيد اعترافه باللّه محاورة المؤمن له ولقومه المارة والآتية وعدم ردّه عليه هو وقومه، وكان اقتصارهم على أمر قتل موسى وعدمه مع الصفح عما يتعلق بالآلهة دليل على اعترافهم بالإله العظيم، إذ ما من أحد إلا ويعترف بوجوده، قال تعالى (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ)


الصفحة التالية
Icon