ثم ذكر ما يغيظهم ليزدادوا غما فقال "إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا" بإعلاء كلمتهم على مجادليهم وتوفيقهم إلى الحجج الظاهرة والبراهين القاهرة والدلائل الباهرة مع النصر الفعلي على أعدائهم في الدين كما نوهنا به في الآية ١٠٣ من سورة يونس والآيتين ١٧٢/ ١٧٣ من سورة الصافات المارات وله صلة في الآية ٤٧ من سورة الروم الآتية "وَ" إنا نحن الإله القادر كما ننصرهم في الدنيا سننصرهم "يَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ ٥١" من الحفظة والأصفياء والكتب وغيرها فيشهدون على الأمم بما فعلوا في الدنيا وتكذيبهم للرسل وفيه تشهد الأمم الصالحة للرسل على أنهم بلغوا أممهم فكذبوهم ويكون لهم هذا النصر أيضا "يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ" لأنهم اعذروا في الدنيا بالإنذار من قبل الرسل والدنيا هي محل قبول العذر، أما الآخرة فلا اعتذار فيها ولا إنذار بل يكون لهم فيها التوبيخ والتقريع واللوم "وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ" أيضا وهي الطرد من رحمة اللّه والبعد عنه "وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ٥٢" جهنم وبئست الدار هي.
ولفظة يوم الأخيرة بدل من
الأولى لأنه حال قيام الأشهاد لا تنفع المعاذير، قال تعالى "وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى " بجميع وسائله "وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ ٥٣" ليهتدوا به ويعملوا بمقتضاه بحياته وبعد وفاته لأنا جعلناه "هُدىً" للناس، لأن التوراة المعبر عنها بالكتاب هنا أجمع كتاب أنزل من بدء الخليقة حتى نزول القرآن العظيم، لأنه الجامع لكل ما في الكتب المتقدمة عليه "وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ ٥٤" يتذكرون بها، لأن ذوي القلوب الواعية هم أهل التذكر والتفكر فيها، وعلى هذا فإن قومه لم يعملوا بها ومن عمل منهم بها كان مرغما، وقد هجروها من بعده ولم يتقيدوا بوصاياها وأهملوا أحكامها وغيروا وبدلوا قسما منها.


الصفحة التالية
Icon