خفيت عن الخلق ما أخر الجزاء الحتم للدار الآخرة، وجعل الدنيا دار ابتلاء واختبار، مع قهره للكل في الدارين معاً، وكونهم غير خارجين عن ملكه وقهره، ثم قال تعالى ﴿غافر الذنب وقابل التوب﴾ تأنيساً لمن استجاب بحمده، وأناب بلطفه، وجرياً على حكم الرحمة وتغليبها، ثم قال ﴿شديد العقاب ذي الطول﴾ ليأخذ المؤمن بلازم عبوديته من الخوف والرجاء، واكتنف قوله ﴿شديد العقاب﴾ بقوله ﴿غافر الذنب وقابل التوب﴾ وقوله ﴿ذي الطول﴾ وأشار سبحانه بقوله - ﴿فلا يغررك تقلبهم في البلاد﴾ - إلى قوله قبل ﴿وأورثنا الأرض﴾ وكأنه في تقدير : إذا كانت العاقبة لك ولأتباعك فلا عليك من تقلبهم في البلاد، ثم بين تعالى أن حالهم في هذا كحال الأمم قبلهم، وجدالهم في الآيات كجدالهم، وأن ذلك لما حق عليهم من كلمة العذاب، وسبق لهم في أم الكتاب - انتهى.
ولما تقدم آخر تلك أن كلمة العذاب حقت على الكافرين، فكان ذلك ربما أيأس من تلبس بكفر من الفلاح، وأوهمه أن انسلاخه من الكفر غير ممكن، وكان الغفران - وهو محو الذنب عيناً وأثراً - مترتباً على العلم به، والتمكن من الغفران وما رتب عليه من الأوصاف نتيجة العزة، دل عليهما مستعطفاً لكل عاص ومقصر بقوله :﴿غافر الذنب﴾ أي بتوبة وغير توبة إن شاء، وهذا الوصف له دائماً فهو معرفة.
قال السمين : نص سيبويه على أن كل ما إضافته غير محضة جاز أن تجعل محضة وتوصف بها المعارف إلا الصفة المشبهة، ولم يستثن الكوفيون شيئاً.


الصفحة التالية