السؤال الثالث : أن هذه الآية تدل على المنع من حصول الحياة في القبر، وبيانه أنه لو كان الأمر كذلك لكان قد حصلت الحياة ثلاث مرات أولها : في الدنيا، وثانيها : في القبر، وثالثها : في القيامة، والمذكور في الآية ليس إلا حياتين فقط، فتكون إحداهما الحياة في الدنيا والحياة الثانية في القيامة والموت الحاصل بينهما هو الموت المشاهد في الدنيا.
السؤال الرابع : أنه إن دلت هذه الآية على حصول الحياة في القبر فههنا ما يدل على عدمه وذلك بالمنقول والمعقول، أما المنقول فمن وجوه الأول : قوله تعالى :﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ ءانَاء الليل ساجدا وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخرة وَيَرْجُو رَّحْمَةِ رَبّهِ﴾ [ الزمر : ٩ ] فلم يذكر في هذه الآية إلا الحذر عن الآخرة، ولو حصلت الحياة في القبر لكان الحذر عنها حاصلاً، ولو كان الأمر كذلك لذكره، ولما لم يذكره علمنا أنه غير حاصل الثاني : أنه تعالى حكى في سورة الصافات عن المؤمنين المحقين أنهم يقولون بعد دخولهم في الجنة ﴿أَفَمَا نَحْنُ بِمَيّتِينَ إِلاَّ مَوْتَتَنَا الأولى﴾ [ الصافات : ٥٨، ٥٩ ] ولا شك أن كلام أهل الجنة حق وصدق ولو حصلت لهم حياة في القبر لكانوا قد ماتوا موتتين، وذلك على خلاف قوله ﴿أَفَمَا نَحْنُ بِمَيّتِينَ * إِلاَّ مَوْتَتَنَا الأولى﴾ قالوا والاستدلال بهذه الآية أقوى من الاستدلال بالآية التي ذكرتموها، لأنه الآية التي تمسكنا بها حكاية قول المؤمنين الذين دخلوا الجنة والآية التي تمسكتم بها حكاية قول الكافرين الذين دخلوا النار.
وأما المعقول فمن وجوه الأول : وهو أن الذي افترسته السباع وأكلته لو أعيد حياً لكان إما أن يعاد حياً بمجموعة أو بأحاد أجزائه، والأول باطل لأن الحس يدل على أنه لم يحصل له مجموع، والثاني باطل لأنه لما أكلته السباع، فلو جعلت تلك الأجزاء أحياء لحصلت أحياء في معدة السباع وفي أمعائها، وذلك في غاية الاستبعاد.