" يحشرون عراة حفاة غرلا " الثالث : أن يجعل كونهم بارزين كناية عن ظهور أعمالهم وانكشاف أسرارهم كما قال تعالى :﴿يَوْمَ تبلى السرائر﴾ [ الطارق : ٩ ] الرابع : أن هذه النفوس الناطقة البشرية كأنها في الدنيا انغمست في ظلمات أعمال الأبدان فإذا جاء يوم القيامة أعرضت عن الاشتغال بتدبير الجسمانيات وتوجهت بالكلية إلى عالم القيامة ومجمع الروحانيات، فكأنها برزت بعد أن كانت كامنة في الجسمانيات مستترة بها.
الصفة الثالثة : قوله ﴿لاَ يخفى عَلَى الله مِنْهُمْ شَىْء﴾ والمراد يوم لا يخفى على الله منهم شيء، والمقصود منه الوعيد فإنه تعالى بيّن أنهم إذا برزوا من قبورهم واجتمعوا وتلاقوا فإن الله تعالى يعلم ما فعله كل واحد منهم فيجازي كلاً بحسبه إن خيراً فخير وإن شراً فشر، فهم وإن لم يعلموا تفصيل ما فعلوه، فالله تعالى عالم بذلك ونظيره قوله ﴿يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تخفى مِنكُمْ خَافِيَةٌ﴾ [ الحاقة : ١٨ ] وقال :﴿يَوْمَ تبلى السرائر﴾ [ الطارق : ٩ ] وقال :﴿إِذَا بُعْثِرَ مَا فِى القبور * وَحُصّلَ مَا فِى الصدور﴾ [ العاديات : ٩، ١٠ ] وقال :﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدّثُ أَخْبَارَهَا﴾ [ الزلزلة : ٤ ] فإن قيل الله تعالى لا يخفى عليه منهم شيء في جميع الأيام، فما معنى تقييد هذا المعنى بذلك اليوم ؟ قلنا إنهم كانوا يتوهمون في الدنيا إذا استتروا بالحيطان والحجب أن الله لا يراهم وتخفى عليه أعمالهم، فهم في ذلك اليوم صائرون من البروز والانكشاف إلى حال لا يتوهمون فيها مثل ما يتوهمونه في الدينا، قال تعالى :﴿ولكن ظَنَنتُمْ أَنَّ الله لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مّمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [ فصلت : ٢٢ ] وقال :﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ الناس وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ الله﴾ [ النساء : ١٠٨ ] وهو معنى قوله :﴿وَبَرَزُواْ للَّهِ الواحد الْقَهَّارِ﴾ [ إبراهيم : ٤٨ ].


الصفحة التالية
Icon