ثم قال تعالى :﴿فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي البلاد﴾ أي لا ينبغي أن تغتر بأني أمهلهم وأتركهم سالمين في أبدانهم وأموالهم يتقلبون في البلاد أي يتصرفون للتجارات وطلب المعاش، فإني وإن أمهلتهم فإني سآخذهم وأنتقم منهم كما فعلت بأشكالهم من الأمم الماضية، وكانت قريش كذلك يتقلبون في بلاد الشام واليمن ولهم الأموال الكثيرة يتجرون فيها ويربحون، ثم كشف عن هذا المعنى فقال :﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ والأحزاب مِن بَعْدِهِمْ﴾ فذكر من أولئك المكذبين قوم نوح والأحزاب من بعدهم أي الأمم المستمرة على الكفر كقوم عاد وثمود وغيرهم، كما قال في سورة ص [ ١٢، ١٣ ] ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وفِرْعَوْنُ ذُو الأوتاد * وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وأصحاب الأَيْكَةِ أُوْلَئِكَ الأحزاب﴾ وقوله ﴿وَهَمَّتْ كُلُّ أمَة بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ﴾ أي وعزمت كل أمة من هؤلاء الأحزاب أن يأخذوا رسولهم ليقتلوه ويعذبوه ويحبسوه ﴿وجادلوا بالباطل﴾ أي هؤلاء جادلوا رسلهم بالباطل أي بإيراد الشبهات ﴿لِيُدْحِضُواْ بِهِ الحق﴾ أي أن يزيلوا بسبب إيراد تلك الشبهات الحق والصدق ﴿فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ﴾ أي فأنزلت بهم من الهلاك ما هموا بإنزاله بالرسل، وأرادوا أن يأخذوهم فأخذتهم أنا، فكيف كان عقابي إياهم، أليس كان مهلكاً مستأصلاً مهيباً في الذكر والسماع، فأنا أفعل بقومك كما فعلت بهؤلاء إن أصروا على الكفر والجدال في آيات الله، ثم كشف عن هذا المعنى فقال :﴿وكذلك حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبّكَ عَلَى الذين كَفَرُواْ أَنَّهُمْ أصحاب النار﴾ أي ومثل الذي حق على أولئك الأمم السالفة من العقاب حقت كلمتي أيضاً على هؤلاء الذين كفروا من قومك فهم على شرف نزول العقاب بهم قال صاحب "الكشاف" ﴿أَنَّهُمْ أصحاب النار﴾ في محل الرفع بدل من قوله ﴿كلمة ربك﴾ أي مثل ذلك الوجوب وجب على الكفرة كونهم من أصحاب النار،


الصفحة التالية
Icon