اختلفوا في أن المراد من قوله ﴿إِذِ القلوب لَدَى الحناجر كاظمين﴾ كناية عن شدة الخوف أو هو محمول على ظاهره، قيل المراد وصف ذلك اليوم بشدة الخوف والفزع ونظيره قوله تعالى :﴿وَبَلَغَتِ القلوب الحناجر وَتَظُنُّونَ بالله الظنونا﴾ [ الأحزاب : ١٠ ] وقال :﴿فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ الحلقوم * وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ﴾ [ الواقعة : ٨٣، ٨٤ ] وقيل بل هو محمول على ظاهره، قال الحسن : القلوب انتزعت من الصدور بسبب شدة الخوف وبلغت القلوب الحناجر فلا تخرج فيموتوا ولا ترجع إلى مواضعها فيتنفسوا ويتروحوا ولكنها مقبوضة كالسجال كما قال :﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الذين كَفَرُواْ﴾ [ الملك : ٢٧ ] وقوله ﴿كاظمين﴾ أي مكروبين والكاظم الساكت حال امتلائه غماً وغيظاً فإن قيل بم انتصب ﴿كاظمين﴾ قلنا هو حال أصحاب القلوب على المعنى لأن المراد إذ قلوبهم لدى الحناجر حال كاظمين كونهم ويجوز أيضاً أن يكون حال عن القلوب، وأن القلوب كاظمة على غم وكرب فيها مع بلوغها الحناجر، وإنما جمع الكاظمة جمع السلامة لأنه وصفها بالكظم الذي هو من أفعال العقلاء كما قال :
﴿رَأَيْتُهُمْ لِى سَاجِدِينَ﴾ [ يوسف : ٤ ] وقال :﴿فَظَلَّتْ أعناقهم لَهَا خاضعين﴾ [ الشعراء : ٤ ] ويعضده قراءة من قرأ كاظمون وبالجملة فالمقصود من الآية تقرير أمرين أحدهما : الخوف الشديد وهو المراد من قوله ﴿إِذِ القلوب لَدَى الحناجر﴾، والثاني : العجز عن الكلام وهو المراد من قوله ﴿كاظمين﴾ فإن الملهوف إذا قدر على الكلام حصلت له خفقة وسكون، أما إذا لم يقدر على الكلام وبث الشكوى عظم قلقه وقوي خوفه.
المسألة الثالثة :


الصفحة التالية
Icon