وقوله :﴿ كاظمين ﴾ حال مما أبدل منه قوله :﴿ إذ القلوب لدى الحناجر ﴾ أو مما تتضاف إليه القلوب، لأن المراد إذ قلوب الناس لدى حناجرهم، وهذا كقوله تعالى :﴿ تشخص فيه الأبصار مهطعين إلى الداع ﴾ [ القمر : ٨ ] أراد تشخص فيه أبصارهم، والكاظم : الذي يرد غيظه وجزعه في صدره، فمعنى الآية أنهم يطمعون برد ما يجدونه في الحناجر والحال تغالبهم. ثم أخبرهم تعالى أن الظالمين ظلم الكفر في تلك الحال ليس لهم حميم، أي قريب يحتم لهم ويتعصب، ولا لهم شفيع يطاع فيهم، وإن هم بعضهم بالشفاعة لبعض فهي شفاعة لا تقبل، وقد روي أن بعض الكفرة يقولون لإبليس يوم القيامة : اشفع لنا، فيقوم ليشفع، فتبدو منه أنتن ريح يؤذي بها أهل المحشر، ثم ينحصر ويكع ويخزى. و: ﴿ يطاع ﴾ في موضع الصفة ل ﴿ شفيع ﴾، لأن التقدير : ولا شفيع يطاع، وموضع ﴿ يطاع ﴾ يحتمل أن يكون خفضاً حملاً على اللفظ، ويحتمل أن يكون رفعاً عطفاً على الموضع قبل دخول ﴿ من ﴾.
قال القاضي أبو محمد : وهذه الآية كلها عندي اعتراض في الكلام بليغ.
وقوله :﴿ يعلم خائنة الأعين ﴾ متصل بقوله :﴿ سريع الحساب ﴾ [ غافر : ١٧ ] لأن سرعة حسابه تعالى للخلق إنما هي بعلمه الذي لا يحتاج معه إلى روية وفكرة ولا لشيء مما يحتاجه الحاسبون. وقالت فرقة :﴿ يعلم ﴾ متصل بقوله :﴿ لا يخفى على الله منهم شيء ﴾ [ غافر : ١٦ ]، وهذا قول حسن يقويه تناسب المعنيين ويضعفه بعد الآية وكثرة الحائل. والخائنة : مصدر كالخيانة، ويحتمل في الآية أن يكون ﴿ خائنة ﴾ اسم فاعل، كما تقول : ناظرة الأعين إذا خانت في نظرها.


الصفحة التالية
Icon