ولما أشرق من آفاق هذا الوعظ شمس البعث ونور الحشر، لأنه لا يسوغ أصلاً أن ملكاً يدع عبيده يبغي بعضهم على بعض من غير إنصاف بينهم ونحن نرى أكثر الخلق يموت مقهوراً من ظالمه، ومكسوراً من حاكمه، فعلم قطعاً أن الموت الذي لم يقدر ولا يقدر أحد أصلاً أن يسلم منه إنما هو سوق إلى دار العرض وساحة الجزاء للقرض - كما جرت به عادة الملوك إذا وكلوا بمن يأمرون باحضاره إليهم لعرضه عليهم ليظهر التجلي في صفات الجبروت والعدل، ومظاهر الكرم الفضل قال :﴿ويا قوم﴾ ولما كانوا منكرين للبعث أكد فقال :﴿إني أخاف﴾ وعبر بأداة الاستعلاء زيادة في التخويف فقال :﴿عليكم﴾ ولما كان قد سماه فيما مضى بالتلاقي والآزفة لما ذكر، عرف هنا أن الخلق فيه وجلون خائفون وأنهم لكثرة الجمع ينادُون وينادَون للرفعة أو الضعة وغير ذلك من الأمور المتنوعة التي مجموعها يدل على ظهور الجبروت وذل الخلق لما يظهر لهم من الكبرياء والعظموت فقال :﴿يوم التناد﴾ أي أهواله وما يقع فيه، فينادي الجبار سبحانه بقوله ﴿ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدو الشيطان﴾ وينادونه " بلى يا ربنا " وتنادي الملائكة بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب " يا فلان ابن فلان أقبل لفصل النزاع " وينادي ذلك العبد " ألا سمعاً وطاعة " وينادي الفائز " ألا نعم أجر العاملين " وينادي الخائب " ألا بئس منقلب الظالمين " وينادي أصحاب الأعراف وأهل الجنة أهل النار وأهل النار أهل الجنة وينادي الكل حين يذبح الموت، ويدعى كل أناس بإمامهم، وتتنادى الملائكة وقد أحاطوا بالثقلين صفوفاً مترتبة ترتب السماوات التي كانوا بها بالتسبيح والتقديس، وترتفع الأصوات بالضجيج، بعضهم بالسرور وبعضهم بالويل والثبور، وتنادي ألسن النيران : أي الجبارون أين المتكبرون، وتنادي الجنة، أين المشمرون في مرضاة الله والصابرون، فيا له يوماً يذل فيه العصاة العتاة ويعز المنكسرة قلوبهم من أجل الله وقرأ ابن


الصفحة التالية
Icon