ولما كان السياق للشك في الرسالة والقول بالظن الذي يلزم منه اتهام القادر سبحانه بالعجز أو مجانبة الحكمة قال :﴿مرتاب﴾ أي يشك فيما لا يقبل الشك ويتهم غيره بما لا حظّ للتهمة فيه، أي ديدنه التذبذب في الأمور الدينية، فلا يكاد يحقق أمراً من الأمور، ولا إسراف ولا ارتياب أعظم من حال المشرك فإنه منع الحق أهله وبذله لمن لا يستحقه بوجه، وهذه الآية دليل على أن القبط طول الدهر على ما نشاهده من أنه لا ثقة بدخولهم في الدين الحق، ولا ثبات لهم في الأعمال الصالحة.
ولما ظهر ظهوراً لا يحتمل شكاً بما أتى به موسى عليه السلام من البينات أن شكهم في رسالة الماضي وجزمهم في الحكم بنفي رسالة الآتي أعظم ضلال وأنه من الجدال الذي لا معنى له إلا فتل المحق عما هو عليه من الحق إلى ما عليه المجادل من الضلال، وصل بذلك قوله على سبيل الاستنتاج ذماً لهم بعبارة تعم غيرهم :﴿الذين﴾ أي جدال من ﴿يجادلون﴾ أي يقاتلون ويخاصمون خصاماً شديداً ﴿في آيات الله﴾ أي المحيطة بأوصاف الكمال لا سيما الآيات الدالة على يوم التناد، فإنها أظهر الآيات على وجوده سبحانه وعلى ما هو عليه من الصفات والأفعال وما يجوز عليه أو يستحيل.
ولما كان الجدال بالتي هي أحسن مشروعاً، وهو بما أمر به قال :﴿بغير سلطان﴾ أي تسليط ودليل ﴿أتاهم﴾ أي من عند من له الأمر كله ﴿كبر﴾ أي عظم هو، أي الجدال المقدر مضافاً قبل ﴿الذين﴾ وبين ما أبهم من هذا العظم بتمييز محول عن الفاعل فقال :﴿مقتاً عند الله﴾ أي الملك الأعظم ﴿وعند الذين آمنوا﴾ أي الذين هم خاصته.


الصفحة التالية
Icon