قرأ ابن عامر وأبو عمرون وقتيبة عن الكسائي ﴿قَلْبٌ﴾ منوناً ﴿مُتَكَبّرٍ﴾ صفة للقلب والباقون بغير تنوين على إضافة القلب إلى المتكبر قال أبو عبيد الاختيار الإضافة لوجوه الأول : أن عبد الله قرأ ﴿على كُلّ قَلْبِ مُتَكَبّرٍ﴾ وهو شاهد لهذه القراءة الثاني : أن وصف الإنسان بالتكبر والجبروت أولى من وصف القلب بهما، وأما الذين قرأوا بالتنوين فقالوا إن الكبر قد أضيف إلى القلب في قوله ﴿إِن فِى صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ﴾ [ غافر : ٥٦ ] وقال تعالى :﴿فإنه آثم قلبه﴾ [ البقرة : ٢٨٣ ] وأيضاً فيمكن أن يكون ذلك على حذف المضاف أي على كل ذي قلب متكبر، وأيضاً قال قوم الإنسان الحقيقي هو القلب وهذا البحث طويل وقد ذكرناه في تفسير قوله ﴿نَزَلَ بِهِ الروح الأمين * على قَلْبِكَ﴾ [ الشعراء : ١٩٣، ١٩٤ ] قالوا ومن أضاف، فلا بد له من تقدير حذف، والتقدير يطبع الله على قلب كل متكبر.
المسألة الثانية :
الكلام في الطبع والرين والقسوة والغشاوة قد سبق في هذا الكتاب بالاستقصاء، وأصحابنا يقولون قوله ﴿كَذَلِكَ يَطْبَعُ الله﴾ يدل على أن الكل من الله والمعتزلة يقولون إن قوله ﴿وكذلك يَطْبَعُ الله على كُلّ قَلْبِ مُتَكَبّرٍ جَبَّارٍ﴾ يدل على أن هذا الطبع إنما حصل من الله لأنه كان في نفسه متكبراً جباراً وعند هذا تصير الآية حجة لكل واحد من هذين الفريقين من وجه، وعليه من وجه آخر، والقول الذي يخرج عليه الوجهان ما ذهبنا إليه وهو أنه تعالى يخلق دواعي الكبر والرياسة في القلب، فتصير تلك الدواعي مانعة من حصول ما يدعون إلى الطاعة والانقياد لأمر الله، فيكون القول بالقضاء والقدر حياً ويكون تعليل الصد عن الدين بكونه متجبراً متكبراً باقياً، فثبت أن هذا المذهب الذي اخترناه في القضاء والقدر هو الذي ينطبق لفظ القرآن من أوله إلى آخره عليه.
المسألة الثالثة :


الصفحة التالية