فصل


قال الفخر :
ثم إنه تعالى لما بالغ في تخويف الكفار بعذاب الآخرة أردفه ببيان تخويفهم بأحوال الدنيا فقال :﴿ أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾
والمعنى أن العاقل من اعتبر بغيره، فإن الذين مضوا من الكفار كانوا أشد قوة من هؤلاء الحاضرين من الكفار، وأقوى آثاراً في الأرض منهم، والمراد حصونهم وقصورهم وعساكرهم، فلما كذبوا رسلهم أهلكهم الله بضروب الهلاك معجلاً حتى إن هؤلاء الحاضرين من الكفار يشاهدون تلك الآثار، فحذرهم الله تعالى من مثل ذلك بهذا القول، وبين بقوله ﴿وَمَا كَانَ لَهُم مّنَ الله مِن وَاقٍ﴾ أنه لما نزل العذاب بهم عند أخذه تعالى لهم لم يجدوا من يعينهم ويخلصهم، ثم بين أن ذلك نزل بهم لأجل أنهم كفروا وكذبوا الرسل، فحذر قوم الرسول من مثله، وختم الكلام ب ﴿إِنَّهُ قَوِىٌّ شَدِيدُ العقاب﴾ مبالغة في التحذير والتخويف، والله أعلم.
وقرأ ابن عامر وحده ﴿كَانُواْ هُمْ أَشَدَّ مّنكُمْ﴾ بالكاف، والباقون بالهاء أما وجه قراءة ابن عامر فهو انصراف من الغيبة إلى الخطاب، كقوله ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ بعد قوله ﴿الحمدلله﴾ والوجه في حسن هذا الخطاب أنه في شأن أهل مكة، فجعل الخطاب على لفظ المخاطب الحاضر لحضورهم، وهذه الآية في المعنى كقوله ﴿مكناهم فِى الأرض مَا لَمْ نُمَكّن لَّكُمْ﴾ [ الأنعام : ٦ ] وأما قراءة الباقين على لفظ الغيبة فلأجل موافقة ما قبله من ألفاظ الغيبة. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢٧ صـ ٤٧﴾


الصفحة التالية
Icon