التفسير : لما وبخ الكفار بعدم السير في الأرض للنظر والاعتبار أو بعدم النظر في أحوال الماضين مع السير في الأقطار وقد وصف الماضين بكثرة العدد والآثار الباقية، أراد أن يصرح بقصة واحدة من قصصهم تسلية للنبي ﷺ وزيادة توبيخ وتذكير لهم. وكان في قصة موسى وفرعون من العجائب ما فيها، فلا جرم أوردها ههنا مع فوائد زائدة على ما في المواضع الأخر منها : ذكر مؤمن من آل فرعون وما وعظ ونصح به قومه. ولأن القصة قد تكررت مراراً فلنقتصر في التفسير على ما يختص بالمقام. قوله ﴿ بالحق ﴾ أي بالمعجزات الظاهرة. وقوله ﴿ اقتلوا ﴾ يريد به إعادة القتل كما مر في " الأعراف " في قوله ﴿ سنقتل أبناءهم ﴾ [ الآية : ١٢٧ ] قوله ﴿ إلا في ضلال ﴾ أي في ضياع واضمحلال. فإن كان اللام في ﴿ الكافرين ﴾ للجنس فظاهر لأن وبال كيدهم يعود بالآخرة عليهم حين يهلكون ويدخلون النار، وإن كان للعهد وهم فرعون وقومه فأظهر كما قص عليك من حديث إغراقهم وإستيلاء موسى وقومه على ديارهم. قوله ﴿ ذروني أقتل موسى ﴾ ظاهره مشعر بأن قومه كانوا يمنعونه من قتله وفيه احتمالات : الأول لعله كان فيهم من يعتقد نبوّة موسى فيأتي بوجوه الحيل في منع فرعون. الثاني قال الحسن : إن أصحابه قالوا لا تقتله فإنما هو ساحر ضعيف ولا يمكنه أن يغلب سحرتك، وإن قتلته أدخلت الشبهة على الناس وقالوا : إنه كان محقاً وعجزوا عن جوابه فقتله. الثالث : لعل مراد أمرائه أن يكون فرعون مشغول القلب بأمر موسى حتى إنهم يكونون في أمن وسعة. قال جار الله : إن فرعون كان فيه خب وجريرة وكان قتالاً سفاكاً للدماء في أهون شيء فكيف لا يقصد قتل من أحسن بأن في وجوده هدم ملكه وتغيير ما هو عليه من عبادة أصنامه كما قال ﴿ إني أخاف أن يبدّل ﴾ الآية. ولكنه كان قد استيقن أنه نبي وكان يخاف إن همّ بقتله أن يعاجل بالهلاك. قال : وقوله ﴿ وليدع ربّه ﴾ شاهد صدق على فرط خوفه من دعوة ربه. وقال غيره